2022الحرب الأوكرانيةالعدد 190

الحرب الأوكرانية هل هي محكومة بين إرث التاريخ أم معطيات الواقع الدولي الصلبة؟

هزّ الهجوم الذي نفذته روسيا على أوكرانيا التوازنات التي تم إرساؤها في العقود الأخيرة في أوروبا وعلى مستوى النظام الدولي بشكلٍ عام، ووضع السلام الأوروبي محل شك، بعد أن تعامل العالم معه كحقيقة مسلَّمة ونهائية؛ ذلك أن أوروبا التي كانت محور الحروب الدولية في القرن الماضي وساحتها الرئيسة، استطاعت في العقود الأخيرة تشكيل مسارات جديدة لتعزيز انعطافاتها النهائية باتجاه السلام عبر تشكيل هياكل ومؤسسات تتولى إدارة علاقات وحداتها الأساسية، والتركيز على قضايا التنمية، وقد شملت هذه الخطة إدراج روسيا نفسها ضمن هذه الأطر في سياق ما جرى اصطلاحه بدمج روسيا في التفاعلات الأوروبية.

كانت المحفزات لبناء هذا المسار متوفرة، فالحرب الأيديولوجية انتهت، ومعها انتهت حالات الاستقطاب التي سادت في القرن الماضي وصراعات النماذج والنظريات، وتحوّل العالم من شرقه إلى غربه إلى منطق السوق والتجارة الحرة، حتى أن روسيا نفسها انخرطت في هذه المنظومة بفعالية وباتت موسكو من أهم وجهات الماركات والشركات العالمية،  وبدت الخلافات على مستوى العالم الأول، مجرد تفصيلات صغيرة يمكن حلها عبر المدراء والتقنيين، فيما استقرت الحرب واستوطنت  في العالم الثالث، وتولَّى العالم الأول إدارة هذه الصراعات، وأحيانًا هندستها؛ لتلبية حاجة شركات السلاح لأسواق دائمة،  والسيطرة على مصادر الثروات في تلك الدول، وكانت روسيا جزءًا من هذه اللعبة وخاصة في إفريقيا والشرق الأوسط.

لكن من الواضح، أن روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، والذي أعتبر أن تفكك الاتحاد السوفيتي كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين_ سعت إلى تغيير المعادلات الدولية الحالية، وإعادة توزيع القوّة في النظام الدولي الجديد وإعطاء الدول أوزان تناسب قوتها الحقيقية، فروسيا ثاني أكبر قوّة عسكرية في العالم، وتتحكم بمفاصل الاقتصاد الأوروبي من خلال صادرات الغاز والنفط، وبِناءً على ذلك، يحق لروسيا إعادة تشكيل العالم وصناعة نظام دولي جديد يأخذ بالاعتبار هذه المعطيات، كما يحق لروسيا الاحتفاظ بحدائق خلفية وساحات، فيما يبدو أنه مزيج من مبدأ مونرو الأمريكي ونظرية المجال الحيوي التي ابتدعتها النازية.

إجبار التاريخ على الانعطاف

خطأ التوقيت والأسلوب

  شكّلت مساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، السبب المباشر المعلن للحملة العسكرية الروسية، انطلاقًا من حسابات روسيا الأمنية القائمة على أساس أن أوكرانيا بجغرافيتها المفتوحة على روسيا تشكّل أحد أكثر الخواصر رخاوة؛ حيث يستطيع الخصم “حلف الناتو” الإطباق على الجغرافية الروسية وإخضاعها دون الحاجة إلى أسلحة إستراتيجية بعيدة المدى، بل أن هذا الاحتمال في حال حصوله، سيجعل من قوّة الردع الروسية بلا أي قيمة طالما أصبحت المراكز الحضرية الكبرى في موسكو وبطرسبورغ تحت مرمى نيران” الناتو”.

لكن المؤشرات كانت واضحة الدلالة لجهة أن انضمام أوكرانيا للناتو لم يكن واردًا على جدول أعمال الحلف؛ لأسباب كثيرة من بينها: عدم رغبة الإدارة الأمريكية إثارة روسيا في وقت تحاول اجتذابها خارج المدار الصيني، كما أن أعضاء الحلف الأوربيين يعرفون أهمية ورمزية أوكرانيا لدى روسيا، ويعرفون أن فلاديمير بوتين شخصية يصعب التنبؤ بردَّات فعلها، وبالتالي لم يكونوا بحاجة لاختباره.

من جهة ثانية، لم تكن روسيا بحاجة ماسة للقيام باجتياح أوكرانيا، لانتفاء وجود مخاطر محدقة تستدعي هذا السلوك، وبتقدير الكثير من الخبراء العسكريين المحايدين، كان يمكن لروسيا تحقيق هدف منع انضمام أوكرانيا لحلف الناتو من خلال المناورة والتحشيد العسكري واستخدام لغة التهديد، دون الحاجة أيضًا إلى رفع سقف المطالب ومطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالالتزامات الشفهية التي حصل عليها الرئيس ميخائيل غورباتشوف- عشية انهيار الاتحاد السوفيتي- بعدم حصول تغييرات جيوسياسية من شأنها التأثير على روسيا، وهو طلب بدا غير واقعي نتيجة تكّرس أمر واقع على مدار أكثر من عقدين في أوروبا بعد انضمام جناحها الشرقي للناتو.

تصحيح أخطاء التاريخ

كشفت الأحداث التالية أن هدف روسيا أبعد بكثير مما ذهب إليه بوتين صراحة، فمسألة حماية الأمن القومي الروسي، وإن كانت مطلبًا محقًّا، كما أن الغرب ليس بريئًا من التهم التي وجهتها ماكينة الإعلام الروسية، وخاصة إستراتيجية خنق روسيا وإضعافها إلى أبعد الحدود_ إلا أن المسألة ليست فقط حماية أمن قومي، فالمقاربة الروسية تنطوي على عدة أبعاد متداخلة، يتحقق من خلالها الأمن، وليست مجرد ضمانات يعطيها الغرب لروسيا، بل بنية متكاملة تصنعها روسيا ويقبلها الطرف الآخر كأمر واقع، وليس من حق أحد الاعتراض على هذه الترتيبات، فمجرد الاعتراض يعني تهديد للأمن القومي الروسي وفق الصيغة التي طرحتها موسكو.

الخطأ الأول: وجود أوكرانيا، كان الرئيس الروسي صريحًا بهذا الطلب عبر تأكيده، أن الروس والأوكرانيين هم شعب واحد، تجمعهم روابط الدم والتاريخ والثقافة، وأن أوكرانيا كيان صنعه لينين بعد اختلاف القادة الشيوعيين حول المسألة القومية في الاتحاد السوفيتي، وأن أوكرانيا ما كان يجب أن تصبح دولة مستقلة، وبحسب سردية بوتين فإن قيام أوكرانيا تم على حساب روسيا من خلال تقسيم أراضيها التاريخية وتمزيق قطع منها.

يتداخل البعد التاريخي، في ما يمكن تسميته ب”العقيدة الروسية” الجديدة، مع بعد ديني، في ظل تصاعد ارتكاز السياسة الروسية على العامل الديني لتدعيم شرعيتها، وخلال سنوات حكم بوتين، تنامى دور الكنيسة بشكلٍ ملحوظ، وفي كتاب بحثي بعنوان “القوي وكلي القدرة” صادر عن مركز أبحاث “ثيوس” عام 2017، يقول الباحث بن راين : “إن العلاقة بين الرئيس الروسي والكنيسة الأرثوذكسية علاقة حيوية تكافلية غير عادية”. فقد سمح بوتين، خلال سنوات حكمه، للكنيسة باستعادة صدارتها وقدم لها الدعم كما لم يفعل أي حاكم روسي منذ الثورة البولشيفية، ومن جهتها، مدت الكنيسة الرئيس بالدعم الفكري والثقافي لتوفير أرضية لرؤيته الدولتية، وتوسيع مجال نفوذ روسيا حول العالم.

وبحسب دراسة أجراها مركز “بيو” الأمريكي للأبحاث، فإنّ المسيحية الأرثوذكسية شهدت نهضة كبرى في أوروبا الشرقية خلال العقدين الماضيين، سواء في روسيا أو في الدول المحيطة لها، حيث يعرّف 70 بالمئة من السكان أنفسهم كأرثوذكس.

وبالنسبة للمسيحيين الأرثوذكس فإن كييف تُعد بمثابة القدس، ويشبه الكثير من المحللين العملية العسكرية الروسية بمثابة حملة صليبية لاستعادة الأراضي الأرثوذكسية المقدسة من الهراطقة الغربيين؛ حيث تندفع حكومة أوكرانيا للارتماء بأحضان الثقافة الغربية وقيمها، التي يعتبرها بوتين قيمًا مبتذلة تشجع على المثلية والشذوذ الجنسي، وتسمح بالطلاق، ولا تراعي قيم الأسرة التقليدية، حيث ينصب بوتين نفسه كمدافع عن التقاليد المحافظة وعن مكانة الكنيسة.

في هذا السياق، يرى البعض أن أحد العوامل الممهدة للغزو الروسي الراهن، كان انفصال الكنيسة الأوكرانية عن الكنيسة الروسية عام 2018، إذ كانت جزءًا منها منذ عام 1686، فقد شكّل إعلان الكنيسة الأوكرانية انفصالها عن الكنيسة الروسية ضربة خطيرة لطموحات بوتين والكنيسة الروسية على مستويات عدة، إذ يمثل الأوكرانيون الأرثوذكس 30 بالمئة من مجمل المسيحيين التابعين لبطريرك موسكو، ويعني الانفصال خسارة ملايين الأتباع، وملايين الدولارات من أملاك الكنيسة.

على ذلك، فإن الأزمة الراهنة أبعد من مجرد صراع عسكري بين بلدين، بل هي مواجهة ثقافية في عمقها تحمل بين طياتها جراح الماضي والنزعات القومية التي لم تنجح الحداثة الأوروبية في إلغائها بالكامل.

الخطأ الثاني: سقوط الاتحاد السوفيتي، هو ما يعتبره بوتين أكبر الكوارث الجيوسياسية في العصر الحديث، وإذا كان بوتين مدركًا أن استعادة بعث الاتحاد السوفيتي أمر يدخل في إطار المستحيلات نتيجة المتغيرات الدولية الحاصلة على مدار العقود السابقة، حيث تحولت معظم الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي أو تلك التي كانت تنتمي إلى الكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة إلى المعسكر الغربي، سواء بالانضمام إلى حلف “الناتو”، أو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن تحوّلات جديدة تستدعي أخذها بعين الاعتبار، وتصحيح الخطأ التاريخي.

وترتبط هذه التحولات- بنظر الكرملين- بتنامي القوّة العسكرية والاقتصادية لروسيا، وعودتها فاعلًا دوليًّا مؤثرًا في العديد من ملفات السياسة الدولية، ووجودها العملي في أكثر من ساحة دولية، ودخولها بشكلٍ فاعل في صراع المشاريع الجيوسياسية العالمية، حتى أنها أصبحت المتحكّم الفعلي في العديد من النزاعات، مثل سوريا، ولها أدوار فاعلة في نزاعات أخرى، كالنزاع الليبي، واستطاعت في السنوات الأخيرة طرد فرنسا من (مالي وأفريقيا الوسطى)، وفي طريقها لإعادة صياغة السياسات في هاتين الدولتين.

بِناءً على ذلك، يحق لروسيا استعادة روح الاتحاد السوفيتي، ما دامت استحالة إعادة الجسد أمرًا مستحيلًا، وهذه الاستعادة تتمثل باستعادة قواعد الاشتباك وأصول اللعبة التي كانت سائدة في زمنٍ مضى، وهو ما صاغه بوتين بشكلٍ واضح في الوثيقة الأمنية، التي عكست “عقيدة بوتين”، والتي تضمنت: “المطالبة بتوقيع اتفاقيتين منفصلتين بين موسكو وواشنطن والناتو لوضع نظام ضمانات أمنية من أجل خفض التوترات الأمنية في أوروبا، وتخلي الحلف عن أي نشاط عسكري في جورجيا وأوكرانيا، وعدم انضمامهما للحلف، ووقف نشر أنظمة أسلحة هجومية في الدول المحاذية لروسيا”.

باختصار، تطالب روسيا بإعادة هيكلة البنية الأمنية الأوروبية بما يتناسب مع مكانة روسيا الجديدة، التي تختلف عنها في عام 1991، لكن اللافت أن بوتين يسعى إلى هدفه هذا باستخدام الوسائل التي اتبعها الاتحاد السوفيتي، عندما جرى سحق ثورة المجر عام 1956، وربيع براغ ” تشيكوسلوفاكيا” 1968، حينها تم اعتبار هذه الإجراءات على أنها إجراءات داخلية، وهو ما يعاد استنساخه اليوم يغزو أوكرانيا، الذي تعتبره روسيا مجرد عملية خاصة وليست حربًا، شيء يشبه عملية ضد تمرد داخلي وليست حربًا خارجية.

واقع دولي صلب وأدوات غير فاعلة

لا يبدو أن روسيا في طريقها لتحقيق أهدافها، ومنذ بداية الحرب بدا أنها تخوض مغامرة فاشلة، وليست حربًا تخوضها دولة تدّعي أنها تملك مواصفات الدولة العظمى، كما واجهت روسيا قوى عظمى ترفض إحداث تغييرات في هيكلية القوّة في النظام الدولي وإعادة جديدة لتوزيع القوى في إطاره، وبدل تصحيح التاريخ، ارتكب بوتين جملة من الأخطاء، ستكون نتائجها خطيرة على مستقبل روسيا:

الخطأ في تقدير الموقف الدولي: اعتقد بوتين أن الولايات المتحدة منشغلة بالتحدي الصيني وبالتالي فإن جميع مواردها وأصولها العسكرية متركزة على جبهة المحيط الهادي، ولن يجعلها احتلال روسيا لأوكرانيا، أو على الأقل العملية السريعة التي اعتقد بوتين أنها ستؤدي إلى تغيير نظام الحكم في كييف، لن يكون لها صدى في واشنطن أكثر من ردَّات فعل كلامية.

ومن المؤكد أن بوتين استند- في تقديره هذا- إلى ما يراه ظاهرًا على سطح المشهد الدولي، حيث الخلافات داخل “حلف الناتو” وتناقض التوجهات بين أوروبا وأمريكا، وتراجع القدرة الأوروبية إلى أبعد الحدود، واعتقاده أنه في وسط هذه الأجواء يمكنه ببساطة فرض أمر واقع، لكن الأمر في حسابات تلك الأطراف كان مختلفًا، والتراجع أمام روسيا كان يعني لديهم تحطيم المعادلات التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة، وبالتالي عودة المخاطر والتوتر لقلب القارة الأوروبية، ما سيؤثر حتمًا بمسارات التطور التي أنتجتها ظروف الاستقرار، وتظهر ردّة الفعل الأوروبية أن أوروبا قرأت التحرك الروسي على أنه محاولة لتدمير السوق الأوروبية التي توسعت بضم دول أوروبا الشرقية وأصبحت أكبر سوق عالمية.

الخطأ في تقدير القوّة الروسية: ارتكز بوتين في تقديره للقوة الروسية على ركائز بدا أنها مضللة وغير حقيقية:-

الركيزة الأولى: القوّة العسكرية المتنامية لروسيا، والتي تم تجريبها في ثلاث حروب سابقة: الحرب مع جورجيا 2008، واحتلال جزيرة القرم من أوكرانيا 2014، والحرب السورية التي تدخلت فيها روسيا عام 2015، ففي جميع هذه الحروب حقّقت روسيا انتصارات من دون تكبّد خسائر كبيرة، لكن هذه التجارب لا يمكن أن يكون لها قيمة كبيرة لدى مواجهة خصوم أكثر قدرة وكفاءة، فجميع تلك الحروب كانت مع جماعات محلية لا تملك أسلحة متطورة وليس لديها ظهير دولي.

الركيزة الثانية: تطور الجيش الروسي، حيث كان بوتين يعتقد أن تجربة الحرب السورية أنتجت جيشًا حديثًا ومجرَّبًا، استطاع خوض المعارك في مختلف الظروف، وجرّب أكثر من 300 صِنف من الأسلحة في أرض المعركة، لكن تبين أن العملية لم تكن سوى بروبوغندا أشاعتها مراكز القوى في الجيش والمخابرات الروسية، بهدف الحصول على ميزانيات كبيرة تقاسمتها مراكز الفساد في تلك المؤسسات، لقد اكتشف بوتين متأخرًا هذه الحقيقة، وعلى أساسها قام بإجراءين سريعين: الأول: إقالة عدد من قيادات المؤسستين العسكرية والأمنية، والواضح أن هؤلاء كانوا مسؤولين عن تطوير الجيش الروسي، أو أنهم سكتوا عن التقارير المضللة حول جاهزية الجيش الروسي، والإجراء الثاني: تمثل بتقليص أهداف الحرب وحصرها في شرق أوكرانيا وجنوبها لتأمين جمهوريتي (لوهانسك، ودونيتسك) في الدونباس.

الركيزة الثالثة: القوّة السيبرانية: عندما غزت روسيا أوكرانيا كان لديها تقدير أنها ستهيمن على جانب الحرب الإلكترونية في المعركة عبر حرب سيبرانية واسعة النطاق، وسبق لروسيا أن حقّقت نتائج عسكرية مذهلة في معارك سنة 2014 ضد أوكرانيا لدرجة أن الأمريكيين والأوروبيين كانوا يخافون من تكرار ذلك النجاح في الحرب الحالية، وهو ما دفعهم إلى تزويد أوكرانيا بأنظمة حديثة (أجهزة راديو أل 3 هاريس)، التي لا يمكن التشويش عليها بسهولة مقابل الأنظمة الروسية الكبيرة الحجم والتي لا تتناسب مع الهجوم المتنقل والمتشعب الذي أطلقته القوات الروسية، وكان من نتيجة ذلك تعطيل قدرة الطيران الروسي بدرجة كبيرة، واستطاعة الأوكرانيين اختراق أجهزة الاتصال الروسية وكشف الخطط العسكرية وقتل عدد كبير من القيادات الميدانية.

وفي الختام، يمكن استخلاص جملة من النتائج التي أبرزتها بوضوح الحرب الروسية على أوكرانيا:

  • ليس من السهولة إمكان إعادة بعث الروح بتاريخ مضى، فالوقائع التي تكرّست على مدار عقود، باتت تشكّل موانع صلبه في وجه مخططات بوتين، ولن تفيد معاندتها سوى باستنزاف روسيا وتحطيم قدراتها، وربما الحد من صلاحيتها لتنفيذ السياسة الدولية كقوّة عظمى في المستقبل، وربما باتت روسيا- نتيجة مغامرتها الأوكرانية- أمام سيناريوهات سيئة، إحداها سيناريو التفكّك وتمرد الأقاليم البعيدة نتيجة ضعف المركز.
  • كان بإمكان روسيا تحقيق بعض من أهدافها عبر سياسات المناورة والتفاوض، صحيح أن هذه الوسائل لن تحقق لها نتائج حاسمة في صراعها مع الغرب الذي يسعى إلى تضييق الخناق عليها، لكن انكشاف قوّة روسيا بالشكل الذي ظهرت عليه سيشكل مصدر تهديد خطير لمستقبلها.
  • موازنة الأهداف مع الوسائل المخصصة لها، حيث وضع بوتين أهدافًا كبيرة، مع تخصيص وسائل متواضعة نسبيًّا، وقد أثبتت التطورات أن تغيير المعادلات الأمنية في أوروبا يحتاج إلى قدرة أكبر من قدرة الجيش الروسي بوضعه الحالي.
  • من المبكر الاعتقاد بولادة نظام دولي جديد تشترك روسيا والصين في قيادته مع الولايات المتحدة الأمريكية، فما زالت كفة القوة راجحة لصالح الأمريكيين، على الأقل في المدى المنظور، والواضح أن الصين أدركت هذه الحقيقة، أو ربما كانت تدركها مسبقًا، وهذا ما دفعها إلى التراجع عن تحالفها الإستراتيجي مع روسيا، وترك موسكو تواجه مصائرها منفردة.
اظهر المزيد

غازي دحمان

كــاتب ســـوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى