2018العدد 175ملف خاص

” الحزام والطريق” .. مكاسب مشتركة

أعلنت الصين في عام 2013 عن مبادرة لإعادة إحياء طريق الحرير ([1])، وهو مشروع يهدف إلى إنشاء طريق يصل طوله إلى 12 ألف كيلومتر، يمتد من شنغهاي في الصين حتى العاصمة البريطانية لندن، وهي المبادرة التي تم طرحها في سبتمبر 2013 من قبل الرئيس الصيني، وفي نوفمبر من نفس العام جرى اتخاذ قرار من أعلى سلطة سياسية في الصين ممثلاً في المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بالموافقة عليها.

وقدمت كل من اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح ووزارة الخارجية وزارة التجارة بشكل مشترك يوم 28 مارس عام 2015 “الرؤية والتحرك للدفع بالتشارك في بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين” والتي كانت ثمرة نقاشات شاركت فيها الهيئات المختلفة في الحزب ومراكز الأبحاث التابعة له، ونقاشات على مستوى الأقاليم والسفارات الصينية في الخارج، كما تم تشكيل فريق عمل قائد للمبادرة من نائب رئيس الوزراء ويساعده أربعة من كبار المسؤولين، واعتماد مرجعية ضابطة للمبادرة تستند على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وعلى المنفعة المتبادلة والكسب المشترك والسلام والتعاون والتعلم المتبادل من الخبرات والانفتاح والتسامح.

وتكمن أهمية المبادرة بشموليتها حيث يدخل في مسارها حوالي 69 دولة وعدد سكان يصل إلى 4.4 مليار، وهي تضع نموذجًا جديدًا يختلف عما يسمى النموذج الغربي في العولمة، حيث تتصف بأنها أكثر عدلاً وتفسح المجال للدول النامية بالاستفادة من إمكانياتها وقدراتها، وتحقق بناء جسور مع العالم وليس جدرانًا تحميها من العالم، وهي أهم المبادرات العالمية في القرن الواحد والعشرين، تقوم بها أحد القوى الكبرى في العالم اقتصاديًا وسياسيًا وتحمل في طياتها الكثير من الفرص للدول المشاركة فيها، وإلى نقل الخبرات والمعارف والثقافات وتعد بمثابة رؤية استراتيجية لدور الصين في النظام العالمي عبر تطوير دبلوماسية جديدة ذات طابع عالمي تتناسب مع مكانتها وتقديم نفسها كنموذج أفضل في مجال التنمية الاقتصادية.

وفي الوقت نفسه ترسم توجهات استراتيجية استباقية للصين لها مردود إيجابي عليها مستقبلا، وترسم ملامح جديدة لحوكمة النظام السياسي العالمي والإقليمي، وعلى صعيد المنطقة العربية فالمبادرة تحقق مكاسب لدول المنطقة وتعزز الحضور السياسي والاقتصادي للصين كشريك اقتصادي موثوق، وتوفر فرصة الاستفادة من الإمكانات الإنتاجية والتمويلية للصين واللازمة لدعم البنية التحتية.

وفي سياق الخطوات العملية تعهد الزعيم الصيني شي جين بينج أثناء زيارته لبعض بلدان منطقة الشرق الأوسط في يناير 2016 بتقديم قروض واستثمارات للمنطقة قد تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 55 مليار دولار. وفي كلمة هامة أثناء زيارته وقتها لمقر جامعة الدول العربية في القاهرة بعنوان “خلق مستقبل جميل للعلاقات الصينية العربية بشكل مشترك” أكد على أن الأمتين الصينية والعربية تتعاملان مع بعضهما البعض بكل إخلاص وأن هذه الثقة ثابتة إلى حد بعيد. ودعا إلى بناء “الحزام والطريق” معًا ووضع مفاهيم حركية من السلام والإبداع والقيادة والإدارة لدفع الاتصال والترابط قدما للنهوض بالأمتين الصينية والعربية.

كما أكد استعداده لبناء السلام في الشرق الأوسط، ودفع التنمية والتصنيع والاستقرار فيه. ودشنت الصين لدعم هذه المبادرة صندوق طريق الحرير الجديد، الذي سيوفر 40 مليار دولار، بالإضافة إلى البنك الآسيوي للاستثمار بتمويلات قد تبلغ 100 مليار دولار.

وكما تشير المعلومات الأساسية الرسمية عن “الحزام” و”الطريق” ([2])، أنه يهدف إلى تجسيد وتكريس قيم طريق الحرير القديم الذي مكن الدول الواقعة في قارتي آسيا وأوروبا من تبادل السلع والتقنيات والأفراد والأفكار ودفع التنمية الاقتصادية والثقافية والتقدم الاجتماعي لهذه الدول، وعزز الحوار والتفاعل بين مختلف الحضارات.

وساهمت طريق الحرير في الماضي في نقل المعارف والثقافات بين الحضارات المختلفة، فانتقلت عبرها الديانات والفلسفات والفنون. وظلت طريق الحرير تلعب دورًا مهمًا في التبادل التجاري والثقافي بين شعوب وحضارات مختلفة. والمبادرة تتيح لبلدان المنطقة الفرصة لتكوين روابط تنموية وتحقق تقارب ثقافي يزيل الحواجز ويقرب بين الشعوب بالارتكاز على دعائم ثابتة وقوية، أساسها المتين احترام تنوع الثقافات وتعميم نتائج التنمية والشعور بالمسؤوليات الاجتماعية، وليس اللهث وراء الأرباح المادية.

المبادرة والدول العربية .. علاقات في أعماق التاريخ

تعتبر علاقات العرب بالصين سابقة على ظهور الإسلام، والتاريخ يشير إلى أن الإمبراطور الصيني بعث سنة 139 ق.م. تشان شيان سفيرًا له إلى الممالك في آسيا الوسطى لإقامة روابط ودية معها، وزار 26 مملكة صغيرة في المنطقة شملت بلاد فارس.([3])

وبعد ظهور الإسلام تشير السجلات الصينية إلى وصول أول مندوب عربي مبعوث من الخليفة عثمان بن عفان في 25 أغسطس 651 م إلى مدينة تشيجان شيان اليوم وعاصمة الصين في ذلك الوقت، وأخر نقطة في طريق الحرير على الجانب الصيني والتقى بإمبراطور الصين فادتشج.([4])  

ولم تنقطع عملية التواصل سواء من جانب العرب أو من جانب الصين، حيث شهد القرن الخامس عشر وصول تشنج إلى ميناء عدن والذي اعتبره بمثابة همزة وصل بين الشرق والغرب ونقطة مركزية لعبور التجارة العالمية ولا يزال النصب التذكاري للبحار الصيني تشنج خه موجودًا في عدن.([5]) وشهدت عدد من الموانئ العربية أيضًا زيارات قام بها عدد من الرحالة الصينيين ومن هذه الموانئ ظفار.

والآن الصين تعمل على استعادة دورها ورسالتها في ظل حملات إعلامية كبيرة تظهرها وكأنها خطر على العرب أو أن دعم العرب لهذه المبادرة يعني انحيازًا إلى جانب الصين، ولكن الأمر ليس كذلك، وليس الحزام والطريق حلبة سباق تعيد إلى أذهاننا فترة الحرب الباردة مع تغير اللاعبين، ليكون بين الصين وأميركا، فالعرب يدركون حجم الحضور الصيني في عمليات الإعمار والتصنيع، وبناء الطرق والجسور والمستشفيات … إلخ، والبضائع المصنوعة في الصين والتي لا يخلو منها منزل عربي تقريبًا.

الصين ترحب بالعرب

على مدار السنوات الماضية، أبدت الصين ترحيبها بمشاركة الدول العربية في المبادرة لما تحظى به من أهمية استراتيجية ولوجيستية كبيرة تساهم، من دون شك، في ربط أسواقها بالدول الأوروبية والآسيوية، وفي الوقت نفسه، فقد بادرت حكومات المنطقة بتوثيق تعاونها مع الصين في هذا الشأن، وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقات لتعزيز استثمارات البنية التحتية اللازمة لتنفيذ المبادرة. 

ونحن بصدد استعراض مزايا ومكاسب هذه المبادرة لابد لنا من العودة إلى طبيعة  العلاقات العربية الصينية وهي العلاقات المحكومة بسياقها التاريخي والمؤثرات المرتبطة بتحديد مسارها، وتناول هذه العلاقة يتيح إمكانية القراءة الواقعية لها في ظل المتغيرات المتسارعة على الصعيد الدولي، وتأثير ذلك على الأوضاع الإقليمية في المنطقة ومن ثم البحث والمقارنة في حاضر العلاقة مع الصين بما يعززها ويطورها في المستقبل خدمة للطرفين وانطلاقًا من أن هناك قيمًا مشتركة ومصالح متبادلة وأن الحقائق والأحداث التي نعيشها تنذر ببروز قوى عظمى ومنها الصين وظهور قوى عظمى جديدة غالبًا ما يعتبر شيئًا شديد الإرباك ويواجه بردود فعل غاضبة من القوة السائدة.

ويعد التعاون الاقتصادي والتجاري في إطار الـ “الحزام والطريق“من أبرز معالم التعاون بين الصين والدول العربية، حيث وقعت الصين اتفاقية مع تسع دول عربية هي: السعودية، السودان، العراق، عُمان، قطر، الكويت، لبنان، مصر، والمغرب إلى قبيل الاجتماع الوزاري الثامن للمنتدى ([6])، والتحقت البحرين ([7]) وليبيا ([8]) والإمارات ([9]) ضمن الدول الموقعة، ومن المتوقع التحاق دول عربية أخرى إلى المبادرة.

وأصبح “الحزام والطريق” الأكثر تميزًا في التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية، وينعكس في جميع جوانب التعاون بين الجانبين، فمصر انضمت لشبكة طريق الحرير عندما وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الانضمام خلال لقائه الرئيس الصيني شي جين بينج في مأدبة عشاء رسمية في القاهرة 20 يناير 2016 وأكد استجابته لطلب الصين بإحياء طرق الحرير ورحب بالمزيد من الاستثمارات الصينية في بناء مصر الجديدة، وأن مصر ستعمل مع الصين من أجل تحقيق مصالح مشتركة وتنمية مستقبلية، ستعود بالنفع أيضًا على البشرية بأكملها.

ورحبت الصين بارتياح كبير بموافقة الرئيس السيسي، وهو ما دفع رئيسها شي جين بينج، للقول إن مصر دولة كبرى في العالم العربي والأفريقي والإسلامي، مؤكدًا أن تنمية الاقتصاد المصري ينمي دورها الإقليمي والدولي، مشددًا على دعم بلاده لدور مصر في الشئون الدولية.

ورغم محاولة البعض التشكيك في أهداف المبادرة الصينية وأنها تؤثر على قناة السويس بل الحقيقة أنها ستكمل دور القناة ويعظم الاستفادة منها ويجعل محور إقليم قناة السويس مركزًا لوجيستيًا للسفن والبضائع وسيزيد من عدد السفن المارة بالقناة ويحقق بالتالي إيرادات إضافية من رسوم مرورها وسيزيد من فرص العمل ويحقق التنمية الاقتصادية الأفضل. وستتضاعف حركة التجارة في المنطقة العربية وينتج عنه استقرار اقتصادي يعود بالخير على المواطنين ومن هذا المنطلق فهي تلقى تأييدًا متزايدًا على المستوى الرسمي والشعبي.

ورحبت المملكة العربية السعودية بهذه المبادرة وقوبل هذا التأييد بارتياح صيني، لاسيما أن هذا المشروع قد يوفر طرقًا أسرع للنفط السعودي للصين والتي تعد المستورد الأكبر له، ومرور طريق الحرير البحري بالبحر بالأحمر يشكل أهمية للموانئ الغربية للسعودية، وهو ما قد يزيد السفن العابرة عبر البحر الأحمر إلى الضعف على الأقل. وقد سبق لولي العهد محمد بن سلمان التصريح بأن المملكة لا تستفيد حاليًا من موانئها على البحر الأحمر بشكل كافٍ، وأن تفعيل هذه الموانئ هو إحدى خطط المملكة ضمن رؤية المملكة 2030.

ومن الإنجازات الرئيسية لزيارة الرئيس شي إلى السعودية في يناير 2016 هو قرار البلدين إنشاء لجنة رفيعة المستوى لتوجيه وتنسيق التعاون الثنائي بينهما بإشراف الرئيس شي والملك سلمان وهي تمثل أول لجنة بهذا المستوى في إطار شراكتهما الاستراتيجية الشاملة وتمثل نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين.

واختارت السعودية الصين كأهم الشركاء الإستراتيجيين في الشرق الآسيوي، كحليف إستراتيجي جديد على مستويات عدة أهمها الجانب الاقتصادي ([10])، كما تعتبر الصين أن السعودية هي خيارها الاقتصادي الأول في نواحٍ متعددة أبرزها في مجالات الطاقة المختلفة. ويأتي ذلك انطلاقًا من النمو المطرد للعلاقات بين المملكة والصين، وكذلك أيضًا موقعها الجغرافي المهم، ولاسيما حدودها البحرية على سواحل البحر الأحمر وكذلك من الثقل الذي تمثله المملكة في الخليج العربي وبين دول العالم الإسلامي.([11])

وفي الآونة الأخيرة تم تأسيس شركة طريق الحرير السعودية في منطقة جازان ويقول أستاذ العلوم الإدارية والمالية الدكتور سالم باعجاجه عن تأسيس الشركة بأنه يعد مبادرة جيدة ومميزة، وستعمل على جذب استثمارات الشركات الصينية للمملكة في مختلف المجالات زراعيًا وسياحيًا وصناعيًا وكذلك خدميًا. وسيكون لها الأثر الواضح الإيجابي في زيادة الحركة الاقتصادية للمملكة، كما أنها تعدّ موردًا جديدًا غير نفطي بالإضافة إلى تعزيزها لحركة التجارة البحرية بالمنطقة.([12])

وتعتبر دولة الإمارات بوابة الشركات الصينية التي تعمل في منطقة الشرق الـأوسط. وهناك حوالي 70% من الصادرات الصينية إلى الإمارات يُعَاد تصديرها إلى دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا وحتى أوروبا. ونحو 300 ألف مواطن صيني يقيمون ويعملون في دولـة الإمارات، إلى جانب أكثر من 4000 شركة صينية و 249 وكالة تجارية صينية وأكثر من 5451 علامة تجارية صينية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد الإماراتية. فيما بلغ حجم استثمارات الشركات الصينية في الإمارات حوالي 2.3 مليار دولار، وهناك شركات صينية في المجال العقاري والمنتجات الاستهلاكية، وبالمقابل هناك 650 مشروعًا للشركات الإماراتية تعمل بالصين في مختلف القطاعات الاقتصادية.([13]) وطبقًا للإحصاءات الرسمية، فقد نما حجم التجارة الثنائية بين البلدين بنسبة 35% سنويًا خلال السنوات العشر الماضية، ووضح ذلك بشكل خاص خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهناك تفكير من الإمارات وبعض دول مجلس التعاون في شراء “اليوان” الصيني لتنويع احتياطياتها النقدية.

ومع المضي قدمًا في المبادرة، يمكن لدولة الإمارات أن تضيف لهذه المبادرة في ظل ما تمتلكه من بنية تحتية متقدمة وخدمات لوجستية متطورة، بما يؤهلها من لعب دور مهم، خاصة وبعد أن أصبحت دبي العاصمة غير الرسمية للشرق الأوسط على طريق الحرير الجديد باعتبارها نقطة تجمع للتجار والأموال، والأفكار وبالتالي تكون الفوائد كثيرة للطرفين الصيني والإماراتي.

وتدعم الصين الخطط الاقتصادية لجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ووقعت الصين معها اتفاقية لتكون عضوًا مؤسسًا للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وأطلق بنجاح القمر الاصطناعي الجزائري للاتصالات ألكوم سات-1 ومن المشاريع التي يجري التحضير لها مشروع “ميناء الوسط بالجزائر” المزمع إنجازه بشراكة جزائرية صينية.([14])

كما تدعم الصين استراتيجية المملكة المغربية التنموية وفقًا لخطتها الاقتصادية والهادفة إلى تسريع التنمية الصناعية 2014-2020 وإنجاز جسر محمد السادس وإنجازات تعاونية أخرى في إطار بناء الحزام والطريق عبر مشاريع استراتيجية واعدة.([15])

المنتدى: تنمية مشتركة لـ “الحزام والطريق”

استطاعت جامعة الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية أن توجدا آلية فعالة ومتطورة يمكنهما من خلالها تعزيز العلاقات العربية الصينية، حيث وقع الأمين العام السابق السيد عمرو موســى في القاهرة إعلان قيام منتدى التعاون العربي الصيني مع وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية، واعتبر الإعلان إنشاء المنتدى إطارًا للحوار والتعاون الجماعي يقوم على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة وقيام مستوى جديد من علاقات الشراكة متميز بالتكافؤ والتعاون، وأكدت المادة الثانية منه على مبدأ أساسي هام بين الطرفين قائم على دعم الصين لعملية السلام وفقًا لمبدأ الأرض مقابل السلام وبالمقابل دعم العرب لمبدأ الصين الواحدة، كما تضمن الإعلان إشارات واضحة تدعو إلى أهمية التنسيق السياسي حول مختلف القضايا الدولية والإقليمية ودعم التعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمار وفقًا للإعلان وبرنامجه التنفيذي.

واعتمدت آليته على اجتماعات تعقد على مستوى وزراء خارجية الجانبين مرة كل عامين بالتناوب، واجتماع على مستوى كبار المسؤولين بالتناوب، وحتى يومنا هذا عُقدت ثمانية اجتماعات وزارية.

وشهدت الفترة منذ إطلاق المبادرة في عام 2013، جهودًا كبيرةً في تعميق أطر التعاون في مجال البنى التحتية مع كثير من دول المنطقة، وتجدر الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والصين 191 مليار دولار في عام 2017، وتركزت صادرات الصين على المنتجات الميكانيكية والكهربائية، والمنسوجات والملابس، ومنتجات التكنولوجيا الفائقة، والأجهزة وغيرها، أما واردات الصين فكانت من النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية ([16])، مما يجعل من الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، ويتوقع الجانبان زيادة حجم التبادل إلى 600 مليار دولار في إطار مبادرة «الحزام والطريق» التي تحتل الدول العربية مكانة بارزة في إطارها بحكم الموقع الإستراتيجي والإمكانات الاقتصادية والموارد الطبيعية والبشرية.([17])

ومثل الاجتماع الوزاري الثامن للمنتدى نقلة نوعية في مسيرة التعاون المشترك والذي حضره الرئيس الصيني وأحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، و17 وزيرًا للخارجية من الدول العربية حيث حمل شعار «تنمية مشتركة لـ “الحزام والطريق”، وعصر جديد لتعزيز التعاون الجماعي الصيني العربي – إنجازات وآفاق لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية»، وهو ما أوضحه أحمد أبو الغيط في كلمته أمام الاجتماع بتأكيده أن مبادرة الحزام والطريق عملية متجذرة ليس فقط في التعاون الاقتصادي وإنما أيضًا في العلاقات الثقافية والتفاهم السياسي. وأعرب عن إيمانه بأن الصداقة التقليدية بين الصين والبلدان العربية والقيم المشتركة بين الجانبين تمثل ظروفًا ملائمة لتعزيز بناء مبادرة الحزام والطريق.

كما أكد على وجوب الدفع بآليات التعاون بين الدول العربية والصين، بما يسهم في تحقيق المصالح العليا للجانبين ويعزز العلاقات التاريخية بينهما وأن الدول العربية تتطلع إلى الشراكة الواعدة في مشروع الحزام والطريق لما يمثله من أهداف إستراتيجية وفرص غير محدودة للتعاون والربط وتسهيل حركة النقل ومضاعفة فرص الاستثمار وتعزيز الاقتصاد العالمي. وأوضح أن التعاون بين الطرفين يولي أهمية خاصة لمشروعات الطاقة بإقامة مشاريع الاستثمار الكبرى في مجال النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن الاستفادة من الخبرات الصينية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية والطاقة المتجددة.

وبنظرة موضوعية، فالمنتدى يحقق تقدمًا يومًا بعد يوم ويسير وفقًا لخطط مدروسة ثرية في تنوع أنشطته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، يتم الاتفاق عليها، ويحرص الجميع من الجانب العربي والجانب الصيني على تنفيذها وفقًا للمواعيد الزمنية المعدة مسبقًا.

الحزام والطريق للتعاون الدولي

أعلنت الصين بمنتدى «الحزام والطريق للتعاون الدولي» في منتصف شهر مايو 2017 مبادرة حول التعاون في مجال الترابط التجاري، وهي تنظيم «معرض الصين الدولي للاستيراد» خلال الفترة من 5-10 نوفمبر 2018 في شنغهاي لفتح أبوابها للواردات الأجنبية. وسوف يوفر منصة دولية لتيسير النمو التجاري على مستوى العالم ويعتبر واحدًا من أهم الأنشطة في إطار مبادرة الحزام والطريق.

ويكتسب المعرض أهميته بما أعلنه نائب وزير التجارة الصيني “وانغ بينج نان” يوم 27 يوليو 2018 عن مشاركة 2800 شركة أجنبية بينها 200 شركة مدرجة على قائمة “فورتشن جلوبال 500” بالإضافة إلى قادة صناعيين، وأن الشركات المشاركة ستعرض منتجاتها على مساحة تبلغ 270 ألف متر مربع، والشركات تنتمي إلى 130 دولة ومنطقة من خمس قارات وسيعرض المشاركون أكثر من 100 من المنتجات الجديدة والتكنولوجيات الحديثة فضلاً عن سلع تتميز بها بلادهم، لافتًا إلى أن السلطات الصينية اتخذت سلسلة من التدابير لتسهيل مشاركة الشركات.

وأكدت 80 دولة وثلاث منظمات دولية مشاركتها في جناح الدول بالمعرض، ومنها الدول العربية والذي يغطي مساحة 30 ألف متر مربع، متوقعًا قدوم أكثر من 150 ألف مشتر من داخل الصين وخارجها إلى المعرض.

الخلاصة والاستنتاجات

لقد “ساهمت هذه الطريق في نقل المعارف والثقافات بين الحضارات المختلفة٬ فانتقلت عبرها الديانات والفلسفات والفنون. وظلت طريق الحرير تلعب دورها في التبادل التجاري والثقافي بين شعوب وحضارات مختلفة” ([18])، وهاهي تعيد مجدها بقوة. إن المضمون الرئيسي لبناء “الحزام مع الطريق” يتمثل في “تناسق السياسات” و “ترابط الطرقات” و “تواصل الأعمال” و “تداول العملات” و “تفاهم العقليات” وهو ما يعني، “أن الصين والدول ذات الصلة بحاجة إلى توطيد القاعدة الشعبية للعلاقات الرسمية، وتعزيز التواصل والتحاور بين مختلف الحضارات، بما يعزز الفهم المتبادل والصداقة التقليدية فيما بينها.

وبالنسبة للمنطقة العربية فهناك الكثير من المكاسب الاقتصادية والسياسية والتي يمكن أن تحققها من وجودها ضمن المبادرة. إذ أنه سيعمق العلاقات التجارية والاستثمارية بين الطرفين والاستفادة من الإمكانات المتاحة من الصين لدعم البنية التحتية لاقتصادات المنطقة، ونقل التكنولوجيا الإنتاجية، والطاقة، والطاقة النووية، والزراعة، والتكنولوجيا الدقيقة، وتبادل الاستثمارات وبالمقابل تلبية احتياجات الصين المتزايدة من الطاقة ومن المنتجات الزراعية وغيرها، وذلك سيضمن استمرار نمو اقتصاد المنطقة وخاصة دول مجلس التعاون، وتشير التنبؤات إلى أن الصين ستستورد بحلول 2025 كميات من النفط من منطقة الخليج تعادل ثلاثة أضعاف الكميات التي ستستوردها الولايات المتحدة. وكل ذلك سيساهم في دعم التقارب السياسي مع الصين، ويعزز من مساهمتها في العمل على تسوية قضايا المنطقة.

والواضح للعيان في السياسة الصينية هو التوسع في المشاركة في عمليات حفظ السلام في المنطقة، وتمويل عمليات إعادة الإعمار في مناطق الصراعات المسلحة، وفي جهود الوساطة والتوفيق بين الفرقاء في مناطق الصراعات، ودعم الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وتجنب التدخل في الشئون الخارجية للدول.


([1]) أول من استخدم مصطلح طريق الحرير هو الجغرافي الألماني ريتشهوفن في نهاية القرن التاسع عشر، وتم تأسيس الطريق خلال أسرة هان (206 ق.م. – 24م) منذ نحو ألفي عام.

([2]) معلومات عن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الـ 21:

http://www.cascf.org/ara/zgsd/t1149454.htm, 23/4/2014

([3]) فهمي هويدي، الإسلام في الصين، عالم المعرفة، يوليو 1980، ص31.

([4]) المرجع السابق، ص34.

([5]) معلومات عن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الـ 21:

http://www.cascf.org/ara/zgsd/t1149454.htm, 23/4/2014

([6]) الإعلان التنفيذي الصيني العربي الخاص ببناء “الحزام والطريق”:

http://www.cascf.org/ara/lthyjwx/bzjhywj/dbj/t1579713.htm

([7]) بتاريخ 10 يوليو 2018 وقع وزيرا خارجية الصين وانج يي، والبحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة مذكرة تفاهم لتعزيز مبادرة الحزام والطريق.

([8]) بتاريخ 12 يوليو 2018 وقعت حكومة الوفاق الوطني على مذكرة لانضمام ليبيا إلى المبادرة.

([9]) بتاريخ 21 يوليو 2018 وقعت حكومتا الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، مذكرة تفاهم بشأن التعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين.

([10]) تعتبر المملكة الشريك الاقتصادي الأول للصين في المنطقة، وبحجم تبادل تجاري بينهما يصل إلى نحو 70 مليار دولار سنويًا.

([11]) استعادة طريق الحرير التاريخي في العصر الحديث:          http://www.alriyadh.com/1120826

([12]) طريق الحرير السعودية .. ذراع اقتصادية جديدة لمملكة المستقبل:

http://www.alriyadh.com/1620279

([13]) د. مروة نظير: تطوير الشراكة .. اتجاهات التقارب بين الإمارات والصين، مركز المستقبل، 12 ديسمبر 2015.

([14]) الإعلان التنفيذي الصيني العربي الخاص ببناء “الحزام والطريق”:

http://www.cascf.org/ara/lthyjwx/bzjhywj/dbj/t1579713.htm

([15]) المرجع السابق.

([16]) تقرير إخباري لصحيفة الشعب اليومية الصينية:

http://arabic.people.com.cn/n/2015/0818/c31659-8938063.html

([17])   http://www.alhayat.com/article/4591044

([18]) نهلة محمد أحمد جبر، طريق الحرير … استراتيجية القوة الناعمة، مجلة شؤون عربية، العدد 172، الرابط:                                     http://www.arabaffairsonline.org/article.php?p=277

اظهر المزيد

د. على صالح موسي

باحث يمنى - اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى