2021العدد 186ملف عربي

الحكومة الليبية وتحديات ما قبل الاستحقاق الانتخابي

تَبزُغُ من بين ثنايا مرحلة ما قبل الإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسيّة الليبية، المقرّرة في 24 ديسمبر2021 _مشكلات تنظيمية وأمنية ومجتمعيّة وازنة قد تقف عقبةً كؤودًا أمام التسوية الشاملة صوب استلال مداميك القتال الداميّة مجددًا، ما لم تتقاطر أطراف المعادلة السياسية الداخلية بدعم إقليمي ودولي وأممي منظور؛ لمعالجتها.

وتطلُّ تحديات تنفيذ خريطة الطريق الناجزة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي والمُقرّة دوليًا برأسها الثقيل أمام حكومة الوحدة الوطنية الجديدة في ليبيا المُوكلَّة بترجمة بنودها فعليًّا ضمن سقف زمنيّ محدد؛ لتهيئة الأجواء الحاضنة لإجراء أول استحقاق انتخابي منذ العام 2014 م، وترسيخ دعائم المشاركة الشعبيّة الفاعلة فيها- بعدما أخذت الأطراف الليبية المتنازعة تحت وطأة الضغوط الميدانية المعتبرة بناصية العملية الديمقراطيّة الإصلاحيّة بعيدًا عن صليل المعارك- سبيلًا لحل الأزمة الليبية.

وبالرغم من أهمية التوافق الإقليمي والدولي الراهن لإتمام العملية الانتخابية الليبية في موعدها؛ أسوّةً بالدعم الغربي والإسناد المصريّ العربي الوازن لوحدة ليبيا واستقلالها وسيادتها على أراضيها ومغادرة القوات الأجنبية المسلحة لساحتها بعيدًا عن أي تدخلات إقليمية أو دولية، غير أنَّ حدوث خلل في تطبيق متطلباتها أو ضيق الوقت المُعطى لتنفيذها أو غلبة الخلافات العميقة بين الأطراف الليبية بشأنها- قد يهدد بنسف جهود الحل السياسي بينما قد تُشكّل التدخلات الوازنة بين المصالح المتضادة للأطراف الخارجية في الساحة الليبية تحديًّا أمام استتباب الاستقرار، بحيث لن يخرج المشهد الراهن حينها عن مجرد تهدئة مؤقتة وتجميد للنزاع عند عدم إزالة أسبابه.

أولًا: المشكلات التنظيمية

تمثل العقبات القانونية والدستورية عُقدة في طريق الاستحقاق الانتخابي؛ إذ يتطلب إجراء الانتخابات قاعدة دستورية وقانونًا انتخابيًّا لم يُنجزا حتى الآن مثلما يتطلب تضمين خريطة الطريق في الإعلان الدستوري؛ لتفادي أي طعن في شرعية المجلس الرئاسي والحكومة الليبية، فحتى وإن اكتسبت الحكومة الشرعية بمفعول الثقة التي منحها إياها مجلس النواب الليبي في 10/3/2021 م، فإنَّ المجلس الرئاسي لا محل له في المشهد المؤسساتي والتنفيذي بدون دسترة خريطة الطريق التي أقرته بتركيبته الجديدة.

وإثرَ جدلٍ محموم حول توقيت تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور، التي لم تحظَ بمصادقة نيابيّة بعدْ_أعدَّت اللّجنة القانونية 17عضوًا لملتقى الحوار السياسي الليبيي في 1/5/2021 م الصيغة النهائية للقاعدة الدستورية اللازمة للانتخابات الوطنية، عبر مقترح سيُقدم إلى ملتقى الحوار؛ لتعديل الإعلان الدستوري قائم على إتمام الاستحقاقات الانتخابية أولًا وتأجيل الاستفتاء على الدستور إلى حين انتخاب السلطة التشريعية القادمة، وقاعدة دستورية تنظم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية” بما يحسم معضلة إتمام “الاستفتاء” قبل العملية الانتخابية؛ نظير عدم تحديد موعده حتى الآن، وعدم تسلّم المفوضية العليا للانتخابات بعدْ قانونه الناظم من مجلس النواب، وذلك بعد انتهاء مهلة 60 يومًا في 20/2/2021 م، التي منحها ملتقى الحوار والبعثة الأمميّة في ليبيا لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)؛ لإقراره.

وفي حال توافق ملتقى الحوار على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات فإنَّه سيتم إحالتها لمجلس النواب لاعتمادها وتضمينها بالإعلان الدستوري، وفي حال عدم توافقه عليها فسيتم العمل بقرار مجلس النواب ,القاضي بإجراء الانتخابات الرئاسية مباشرة من الشعب، وفق رئيس مجلس النواب الليبي”عقيلة صالح” الذي أفاد بأنَّ “مقترح مشروع قانون انتخابات الرئيس من الشعب جاهز لعرضه على المجلس”.

ويسمح مقترح “اللجنة القانونية” باعتماد مسوَدَّة الدستور من مجلس النواب بعد الموافقة عليها شعبيًّا أو إقرارها كقاعدة دستورية بالاتفاق بين مجلسي (النواب والدولة) أمام صعوبة عرضها على الاستفتاء الشعبيّ دون أن يؤثر ذلك على موعد الانتخابات، ويعني ذلك اعتماد مسودة الدستور على مستوى مجلس النواب وبالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة بدون عرضها على الاستفتاء؛ ليكون بمثابة المرجع الدستوري الذي يحتكم إليه المختصمون، وستمهد تلك الخطوة لإصدار المجلس النيابي قانون الانتخابات أو إحالة الأمر،في حال أخفق بالمهمة في وقتها المحدد، للأعضاء الـ 75 لملتقى الحوار، ومن ثم الذهاب مباشرة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها بينما قد يُؤجّل إصدار قانون الاستفتاء إذا لم تعرض مسودة الدستور على الشعب.

وقد تم منح مهلة 60 يومًا لإنجاز التشريعات اللازمة للانتخابات بما يخص قوانين الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتوزيع الدوائر الانتخابية والأحزاب، حيث حددت المفوضية العليا للانتخابات نهاية شهر يوليو المقبل كآخر موعد لتسّلم القانون الانتخابي تمهيدًا لإجراء الانتخابات في موعدها، بينما من المنتظر أن يحسم ملتقى الحوار جلسة تحديد آلية اختيار رئيس البلاد، إمَّا بانتخابات مباشرة من الشعب أو غير مباشرة من خلال مجلس النواب.

ولا شك أنَّ أي تأخر في اعتماد مجلس النواب للقوانين المنظمة للعملية الانتخابية سيؤثر تلقائيًّا على التزام الحكومة الليبية بإجرائها في موعدها.

ثانياً: تحقيق المصالحة الوطنية

يعدّ قرار المجلس الرئاسيّ بإنشاء “مفوضيّة عليا للمصالحة الوطنية” مدخلًا مهمًا؛ لتعزيز السلم الاجتماعي بين مكونات المجتمع الليبي وجبَّ سنوات الاقتتال والانقسام الممتدة شريطة توفر الإرادة الجمعيّة القويّة.

والتأسيس لعملية المصالحة الوطنية يتم عبر بناء هياكلها وتوفير متطلباتها، بإعمال الحوار والتوافق والتسامح وإرساء قيّم العدالة والمساواة وحماية الحريات وسيادة القانون، وبمعالجة ملفات شائكة مثل: عودة المُهاجرين والنازحين إلى بيوتهم ومناطقهم التي تركوها قسرًا بسبب الحرب، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين لدى أطراف الصراع، وطيّ صفحة دعوات الثأر والانتقام، وبسط نفوذ الدولة بمؤسساتها الوطنية الموحدة مما يسمح مثلًا لأعضاء الحكومة بالتحرك في أرجاء البلاد وتقديم الخدمات للمواطنين بدون تمييز، والتصدّي لقوى الشدّ العكسيّ للوحدة أو ما تسمى “خصوم المصالحة” المتغلغلة داخل مفاصل الكيان السياسي والمعارضة للتغيير؛ بُغية تفادي المحاسبة والحفاظ على المصالح والمكتسبات الشخصيّة بالاتكاء إلى مسوغات عدم جاهزية المجتمع للعملية الانتخابية، وضعف الأجسام السياسية المؤهلة وإثارة جدل أولوية الحل الأمني للأزمة، وذلك عند الالتفاف الجمعيّ حول المصلحة الوطنية العليا بعيدًا عن الاعتبارات الجهوّية أو القبلية أو الشخصية _سبيلًا لترسيخ الوحدة وإعلاء قيمة الانتماء للوطن وليس للكيانات الفرعية.

ثالثاً: الملفات الخدمية والاقتصادية .

يبدو أن الملفات الخدمية والاقتصادية- رغم تراكم أزماتها- قابلة للحلحلة في حال استقرار إنتاج النفط ونجاح مساعي توحيد المصرف المركزي والتصديق على الميزانية الموحدة ويبرز أولويتها في: إدارة ملف جائحة “كورنا” التي شغلت دائرة الاهتمام الحكومي المبكر بقرار حل “اللجنة المكلفة” بمكافحتها نظير تواضع نتائج عملها للسيطرة على الوباء وسط تعهد بتوفير اللقاح للمواطنين والمقيمين في البلاد أمام ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس، وحل أزمة الكهرباء التي طالتها احتجاجات شعبية واسعة لانقطاعها المتكرّر نتيجة ضعف البنية التحتية للشبكة وتعرضها للتخريب والإغلاق المتواتر لحقول وموانئ النفط خلال المعارك، فضلًا عن مهام إعادة بناء المنازل المدّمرة، وتأهيل المرافق الصحية والمائية والمنشآت المدرسية والطبية والنفطية المتهالكة، ومعالجة نقص السيولة النقدية والتضخم المستفحل، وتحسين الظروف المعيشيّة الخانقة، ومكافحة الفساد؛ للدفع بعجلة اقتصاد البلاد غير المحمود راهنًا.

رابعاً: المشكلات الأمنية

تُشكل الاستحقاقات الأمنية تحديًّا كبيرًا أمام الحكومة الليبية؛ بسبب تعقّدها وضيق الأفق الزمني المحدد لتنفيذها، وتشابك أبعادها مع تباين تقدير حسابات الأطراف الليبية المتنازعة بشأنها فضلًا عن امتداداتها الإقليمية والدولية المتداخلة في الساحة الليبية، وتتمثل في الآتي:

أ- تثبيت وقف إطلاق النار:

يسمح تثبيت سريان اتفاق وقف إطلاق النار، الذي جرى توقيعه من جميع الأطراف الليبية في 23/10/2020 م “بجنيف” _بإنجاز الملفات الأمنية الأخرى في ظل أجواء التهدئة، وبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي الليبية.

وأمام أهمية هذا البعد للعملية الانتخابية فقد أصدر مجلس الأمن الدولي في 16/4/2021 م قرارًا بإرسال فريق يضّم 60 مراقبًا دوليًا لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا داعيًا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى دعمه وتنفيذه بما في ذلك “انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد بدون تأخير، والالتزام بقرار حظر السلاح المفروض على ليبيا”؛ لأجل نجاح التسوية الشاملة.

ب- إجلاء القوات الأجنبية من الأراضي الليبية:

يشتبك ملف انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا مع أبعاد مترامية تجعل مُهمّته ليست سهلة بالنسبة للحكومة الليبية؛ إزاء حجمها الضخم الذي تُقدّره الأمم المتحدة بـ  20 ألفًا، وآلية خروجها الزمنيّة، وتبعِيّتِها للأطراف الليبية المتنازعة، وارتباطها بقوى إقليمية ودولية قد تجد في بقائها وتغذيتها بالمال والسلاح والعتاد ضمانة؛ لترسيخ مكانتها في مرحلتيّ التسوية وإعادة إعمار البلاد وحصد المكاسب السياسية والاقتصادية المرجوة منهما.

وبالرغم من نصّ اتفاق وقف إطلاق النار على بند إجلاء المقاتلين و”المرتزقة” الأجانب في مهلة تسعين يومًا منذ توقيعه، ولكنها انتهت بدون مغادرتهم، بينما تشير التقارير الأمميّة الحديثة إلى استمرار وجودهم في مناطق مختلفة من البلاد، وشغلهم بشكلٍ جزئيّ أو كلي لعشر قواعد عسكرية في الساحة الليبية.

ويعدّ الضغط الدولي عاملًا وازنًا في تسريع إجلاء المقاتلين الأجانب وسط حديث رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية “عبد الحميد الدبيبة” في 6/5/2021 م عن “بشائر خير لإخراج المرتزقة من ليبيا” نتيجة ما أفرزته مناقشاته مع عدة دول- بعدما هدّد سابقًا في 19/3/2021 م بالاستعانة الأمريكية لإخراج ما وصفهم “بخنجر في ظهر ليبيا” بالقوة رغم انتفاء مؤشرات مغادرتهم حتى الآن- لاسيما عند نفي روسيا صلتها بوجود مرتزقة روس بخاصة مجموعة “فاغنر” في ليبيا بما قد يعرقل مغادرتهم، وإعلان الرئاسة التركية في 5/5/2021 م  _بقاء قواتها في ليبيا، طالما الاتفاق العسكري الذي عقدّته مع حكومة الوفاق الوطني السابقة برئاسة فايز السراج في نوفمبر 2019 م “نافذًا”، و تأهبّ الشركات التركية لدور حيويّ في جهود إعادة الإعمار تزامنًا مع تأكيد دعمها للحكومة الليبية الجديدة، وذلك بعدما قامت في 22/12/2020 م بتمديد نشر جنودها وخبرائها في ليبيا لمدة 18 شهرًا مردَفين بطائرات مسيّرة ومدربين ومستشارين عسكريين، وسط أجواء جهود الحل السياسي الليبي بما لا يعكس نوايا جادة للخروج من الساحة الليبية.

وإذا كانت تركيا تستند في مسوّغات وجودها العسكريّ القويّ في ليبيا إلى اتفاقها مع حكومة السّراج- الذي رفضه البرلمان الليبي وافتقد للشرعية القانونية الدولية وحظي بتعهد الحكومة الليبية الجديدة باحترامه؛ وذلك لأجل ضمان مصالحها وقدرة تأثيرها في الحل السياسي للأزمة الليبية- فإن أنقرة تخشى من تبعات مرحلة التسوية التي قد تخرج منها الحلقة الأضعف، وذلك عند الإخلال الليبي لاحقًا باتفاقية “ترسيم الحدود البحرية معها وتبديد مصالحها في شرقيّ المتوسط وتقويض مساعيها للتمدد كقوة إقليمية واعدة”، وإزاء تصاعد المطالبات الليبية والدولية بسحب قواتها، أو لدى مزاحمة المنافسة الروسيّة والأوروبية لحضورها مما قد يهدد النفوذ التركي في ليبيا، ويجعل طريق مغادرة قواتها من ساحتها ليس سهلًا( ما لم يكن ثمن ذلك مجزيًّا لها).

ج- توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية الليبية:

يُمثل توحيد المؤسسات تحت سلطة تنفيذية واحدة تحديًّا كبيرًا أمام الحكومة الليبية؛ نظير تكرّس الانقسام السياسي والأمني والمؤسساتي لسنوات طوال حتى بات أمرًا واقعًا بما يتطلب لتجاوزه إرادة سياسية صلبة، وانسجامًا في الخطاب السياسي بين (مكونات الحكومة ومختلف الفرقاء) واستعدادًا للتنازل عن المغانم السياسية والمادية والجهوّية التي تم تحصيلها بفعل الاستثمار في الانقسام لصالح الوحدة، واجتنابًا للمحاصصة المناطقية في مؤسسات الدولة، لصالح اعتماد معايير الكفاءة والجدارة وتكافؤ الفرص- سبيلًا لتحقيق الاندماج الاجتماعي على مستوى “الهوية” و”المواطنة”.

وإذا كانت الحكومة الليبية قد قطعت شوطًا مهمًا في مضمار توحيد مؤسسات الدولة بنسبة 80% باستثناء العسكرية- وفق الدبيبة في 15/4/2021 م- فإنَّ مسألة توحيد الأجهزة الشرطيّة والعسكرية ومؤسّساتها تحت إدارة السلطة التنفيذية لا يُعدّ بالمُهمة اليسيرة للمجلس الرئاسي باعتباره القائد الأعلى للجيش ولرئيس الحكومة بصفته وزيرًا للدفاع وللجنة (5 + 5) العسكرية المشتركة (تضّم خمسة عسكريين من قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وخمسة عسكريين آخرين من حكومة الوفاق الوطني المنتهية ولايتها بقيادة السراج) المنبثقة عن مؤتمر برلين في 19/1/2020 م، وذلك نظير مهام تثبيت مسار وقف إطلاق النار، وتوحيد القوات المسلحة تحت قيادة واحدة، وحصر السلاح بيدِ الدولة، وتفكيك الجماعات المسلحة ونزع أسلحتها وإعادة دمج عناصرها في المؤسسات الأمنية والعسكرية وصولًا لإعادة بناء الجيش النظامي المُوحد، وبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي الليبية.

ويستقيم ذلك مع متطلب إنجاز خطوات تُعزّز الثقة الداخلية، مثل: فتح الطريق الساحلي بين شرقيّ البلاد وغربها وجنوبها، ومعالجة ملف الأسرى والمعتقلين، ونزع الألغام، وضبط السلاح المنفلت، فضلًا عن إنهاء حالة الفصائلية التي أدت لانقسامات واسعة في البلاد طيلة السنوات الغابرة بوصفها ترتيبات حيوية لاستتباب الأمن والاستقرار في الساحة الليبية.

ويعدّ تفكيك المليشيات المسلحة في ليبيا التي يزيد عددها عن 300 مجموعة تحديًّا كبيرًا أمام الحكومة الليبية التي تعهدت بإيلاء ملفها أولوية اهتمامها وذلك نظير سيطرتها ميدانيًا وتناحرها بينيًّا حدّ نُذّر الصدام العسكري وسط انتشار السلاح والفوضى، وتنوع تبعيتها قبليًّا وعشائريًّا وجهويًّا إمَّا لأشخاص أو تيارات مثل جماعة “الإخوان المسلمين” أو لمدن ومناطق، وقد دعا المجتمع الدولي أكثر من مرة لتفكيكها معتبرًا إياها العنصر الأبرز لتعطيل وإفشال العملية السياسية، مثلما أصدرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مطالبات مماثلة إزاء خطرها الجسيم على استقرار ليبيا وسلامتها.

ولا شك أنَّ موقف المشير حفتر من الترتيبات الأمنية الجديدة سيجد أصداءً وازنة إمَّا لجهة دعم مسارها مما سيعكس أجواء إيجابية مستقرّة- لاسيما وأنَّه رحبَّ بانتخاب السلطة الانتقالية وتشكيل السلطة التنفيذية المؤقتة واستقبل رئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي” في مقر قيادة الجيش في بنغازي وجدد موقفه من رفض وجود قوات أجنبية في البلاد واعترف بالمجلس الرئاسي قائدًا أعلى للجيش بعد حصوله على الثقة وأكَّد دعمه للمصالحة الوطنية، وأمَّا  من ناحية عرقلتها والرهان على قواته العسكرية لفرض إرادته بما سيشيع مناخات متوترة قد تُعيد الحل للمربع الصفرّي الأول في ظل التحركات العسكرية النشطة لقواته شرقيّ البلاد وجنوبها والتي قد تستهدف توسيع مناطق نفوذه تمهيدًا لخوْض غمار الانتخابات المقبلة، والتي يعتزم أيضًا تنظيم “جماعة الإخوان” في ليبيا المشاركة فيها بعدما أعلن في 2/5/2021 م تحوله إلى جمعية تحمل اسم “الإحياء والتجديد” في خطوة وصفها مراقبون بالمناورة؛ لإثبات وجوده ولململة صفوفه التي اعترتها مؤخرًا الانقسامات والاستقالات، واستعادة ثقة الشارع الليبي بعد تراجع شعبيته محليًّا رغم صعوبة التخلي بسهولة عن إرث الماضي بوجود قيادات حالية مرتبطة بالجماعة التقليدية بدون أن يشفع تبرئة نفسه منها، وذلك بهدف الوصول إلى السلطة عبر باب الانتخابات المقبلة، بما سيقلب المعادلة الليبية الداخلية مجددًا.

وفي المحصلة: يُعدّ التوافق الإقليمي والدولي -حول حل نهائي للأزمة الليبية- مبنيّ على شرعية شعبية بعقد الانتخابات العامة في موعدها، ومغادرة القوات الأجنبية لساحتها عنصرًا حيويًّا؛ لتسريع استتباب الاستقرار والتهدئة في البلاد، غير أنَّ عدم قدرة الحكومة الليبية على التصدي للتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية أو البطء في عملية المصالحة الوطنية ضمن السقف الزمني المحدد قد يُنذر بانتكاسة لن تضع مصير الاستحقاق الانتخابي على المّحك فقط، وإنَّما أيضًا ستهدد بتجدد أتُون النزاع، وتعثر جهود التسوية الشاملة في الساحة الليبية.

وإذا كان ثقل معالجة الملفات القانونية والخدمية والأمنية المُلقاة على كاهل الحكومة الليبية توطئة لتهيئة الأجواء الانتخابية قد أدى إلى تقدم محدود في تنفيذها- لاسيما مسار توحيد الجيش ونزع الألغام وفتح الطريق الساحلي وبسط سيادة الدولة ضمن أنحاء البلاد، بما قد لا يمنع خروج الأوضاع عن السيطرة أثناء ترجمتها عمليًا، فإنَّ أي تأخر في اعتماد مجلس النواب للقوانين المنظمة للعملية الانتخابية_ سيؤثر تلقائيًّا على التزام الحكومة الليبية بإجرائها في موعدها.

في حين أنَّ امتداد أفق الأزمة الليبية صوب فضاءات قوى خارجية مؤثرة في الداخل الليبي، قد يولد بؤرة توتر وازنة ستؤثر في إنهاء وجود القوات الأجنبية وتهدد أجواء التهدئة بما يعني ذلك السير المستمر بالبلاد نحو حافتي الفوضى وعدم الاستقرار عند غياب الإرادة الوطنية الحقيقية.

اظهر المزيد

نادية سعد الدين

كاتبة وباحثة في العلوم السياسية -الاردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى