2022العدد 192ملف إقليمي

الصراع الإسرائيلي- الإيراني: طبيعته، حدوده، توظيفاته، احتمالاته

لا يقتصر الصراع الإسرائيلي- الإيراني على كونه مجرد صراع بين طرفين، أو دولتين، إذ هو يكتسب- فوق ذلك- بعدًا إقليميًّا ودوليًّا، كما إنه تصارع يتم بكل الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية، ورغم عدم وجود حدود مشتركة بين الطرفين المعنيين إلا أن الصراع بينهما- في شكله العسكري- يتم بشكلٍ مباشر وغير مباشر، علمًا بأن المبادرة في توجيه الضربات العسكرية ،من حيث الكم والنوع، هي في كل أو معظم الأحوال والحوادث في يد إسرائيل.

من جهة أخرى فإن إسرائيل تحاول دائمًا أن تضع المسائل التي تتعلق بصراعها مع إيران على رأس الأجندة الدولية والإقليمية، وهي تنجح في ذلك كثيرًا، على عكس إيران، التي تبدو في أغلب الأحوال متسرعة، ومختلفة، ومعزولة، ومثيرة للخصومات مع الأطراف الفاعلين الإقليميين والدوليين.

طبيعة الصراع ومصادره:

ثمة عدة مصادر للعداء أو للصراع بين إيران وإسرائيل لا يمكن اختزالها فقط بالتصارع على النفوذ بين قوتين إقليميتين في منطقة مضطربة، وتفتقد للوحدة وللفعالية، ففي مثل تلك الحيثية ثمة تقاطع مع تركيا أيضًا كقوة إقليمية ثالثة؛ إذ كل واحد من تلك القوى الثلاثة لديه مشكلة مع الطرفين الآخرَيْن، على تفاوت ذلك، إلا أن العداوة أو التنافس بين إيران وإسرائيل يبدو مختلفًا بطبيعته ومستواه إلى حد أن كلًا منهما يهدد الآخر في وجوده. أيضًا، فإن ذلك التصارع لا ينبع من مجرد وجود ميلشيات طائفية مسلحة في عديد من الدول كـ(فصائل الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن)، والتي تعمل كأذرع إقليمية لفرض هيمنة إيران في البلدان المذكورة، مع ادعاءات أيدلوجية أو سياسية على أهمية كل ذلك.

فبالإضافة إلى كل ما تقدم، فإن التصارع بين إسرائيل وإيران ينبع من أربعة مصادر أساسية، تتمثل في الآتي:

أولًا: سعي إيران للتحول إلى دولة مع سلاح نووي، ما يكسر احتكار إسرائيل لهذا السلاح، ويقوض ركنًا أساسيًّا من إستراتيجيتها للأمن القومي، وهو ما تحرص على عدم حصوله بالتعاون مع أطراف إقليميين ودوليين بكل الوسائل.

ثانيًا: شعور إسرائيل بتنامي التهديدات الناجمة عن محاولات إيران تطوير وزيادة ترسانتها الصاروخية بعيدة المدى، مع سعيها الدؤوب لنقل جزء من تلك الترسانة إلى لبنان وسوريا.

 ثالثًا: تموضع إيران إلى جانب روسيا، كجزء من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، سيما التخوف الإسرائيلي الناشئ عن انكشاف دعم إيران لروسيا بطائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى، واحتمال وجود هذا السلاح لدى ميليشيات إيران في (سوريا، ولبنان) أو لدى فصائل فلسطينية في قطاع غزة؛ وهذا مصدر جديد لتغذية الصراع الإيراني -الإسرائيلي، ظهر مؤخرًا.

وبحسب تقرير صادر عن موقع “بلومبيرغ” (4/11/2022) فإن “الأسلحة الإيرانية لروسيا باتت عاملًا في جرِّ إسرائيل- وإن ببطء؛ للدفاع عن أوكرانيا. وبعد أشهر من التردد بدأت إسرائيل بتخفيف موقفها من تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا في وقت عمقت فيه إيران من شراكتها العسكرية مع موسكو بدرجة باتت تمس بالأمن الإسرائيلي، قدمت إيران مسيرات شاهد-136 للاستخدام مرة واحدة، أو ما تعرف بالمسيرات الانتحارية، التي من الصعب اكتشافها لصغر حجمها وتحليقها على مستوى منخفض، وتم تزويدها في الفترة الماضية بنظام جي بي أس تجاري، وهي تستطيع التحليق لساعات قبل أن تضرب الهدف، وسلمت إيران ألفًا منها في آب/أغسطس- حسب الولايات المتحدة- وتخطط لكي تسلم 2.400 أخرى، كما يقول الأوكرانيون: تخشى إسرائيل من زيادة اعتماد روسيا على السلاح الإيراني، ومن ثم طلب طهران مساعدتها في برنامجها النووي.” ومع الخسائر الفادحة التي سببتها تلك المسيرات في أوكرانيا (استهداف محطات الطاقة والجسور)، فيمكن توقع خشية إسرائيل من ذلك التهديد من مجرد تخيل ألوف أو مئات المسيرات لدى حزب الله (لبنان)، أو حركة الجهاد الإسلامي (فلسطين) مثلًا.

رابعًا: المساهمة في إضعاف محاولات إيران زعزعة الاستقرار في الخليج العربي، سيما بعد عقد اتفاقات إبراهام مع بعض الدول فيه 2020، بعد أن بدا لتلك الدول أن الولايات المتحدة لا تقوم ما عليها في هذا المجال، وهو ما ظهر في التوتر بين بعض الدول العربية والإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الحالي “جو بايدن”.

في هذا الإطار، يقول المحلل الإسرائيلي “إسحق ليفانون”: “مصر، والإمارات، وإسرائيل، لهذه الدول عدة قواسم مشتركة، القاسم الأبرز هو خيبة الأمل العميقة من سلوك إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط ومسألة النووي الإيراني؛ واشنطن تسارع الخط للوصول إلى تسوية في موضوع النووي الإيراني، بل وأن تدفع ثمنًا لقاء هذا، ترتكب أخطاء تكتيكية ستتسبب لهم بالمعاناة في المستقبل. القاسم المشترك الإضافي للدول الثلاثة هو التخوف من الهيمنة العدوانية لإيران في المنطقة، والتي تعرض للخطر الشرق الأوسط كله. فضلًا عن مسألة النووي الإيراني، ترى الدول الثلاثة بأن الخطر الحقيقي هو التآمر الإيراني الذي تتجاهله الولايات المتحدة أو لا تريد أن تتصدى له؛ مصر قفزت إلى الصف الأول في التعاون مع إسرائيل وفي التصدي لإيران، الإمارات اختارت معسكرها علنًا وبلا تردد، بينما إسرائيل أصبحت بين ليلة وضحاها عاملًا إقليميًّا مركزيًّا يسعى الجميع إلى عتبته.” (“معاريف”25/3/2022) في هذا الإطار، فقد شهدنا أن اجتماع وزراء خارجية الدول الستة (الولايات المتحدة، وإسرائيل، ومصر، والإمارات والبحرين، والمغرب)، قبل عدة أشهر، أتى تحديدًا للتنسيق وللضغط على الولايات المتحدة، أيضًا؛ لكبح أي توجه نحو الاتفاق مع إيران. ويلخص دان شفتن هذا الوضع بقوله: “يسمح هذا الحلف لمجال مناورة كبير أمام الإدارة بسبب الدمج بين (القوة، والتصميم) الإسرائيليين، وبين(النفط، والغاز، والمال) للسعودية والإمارات، شرعية مصر، التأييد العلني والخفي لدول عربية أخرى… يدور الحديث عن عقدة مركبة من التحالفات والاعتبارات الإقليمية. مفهوم أنه ليس كل الجهات تقبل بالمكانة المتصدرة لإسرائيل، ولكن هذه تناور جيدًا في الساحة الجديدة.” (“إسرائيل اليوم”، 13/4/2022)

كل ما تقدم يؤكد التداخل الكبير، بين الطابع الإقليمي/المحلي للتصارع الإسرائيلي – الإيراني وبين طابعه الدولي، كما يبين أبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية، والترابط بين إمدادات النفط والغاز وحركة الجيوش، وكذلك بين ما يحدث في الولايات المتحدة وما يحدث في الشرق الأوسط.

حدود الصراع بين الطرفين:

في الوقائع الميدانية للصراع فإن المبادرة- من حيث الكم والنوع- ظلت في يد إسرائيل، كما قدمنا؛ إذ ظلت إيران تتلقى الضربة تلو الضربة، والإهانة تلو الإهانة من إسرائيل من دون الرد على واحدة منها، وكما شهدنا فقد قامت إسرائيل باغتيال “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني” (يناير 2020) (على الأرجح بتنسيق أمريكي)، كما قامت باغتيال “محسن فخري زاده” مهندس المشروع النووي الإيراني (نوفمبر 2020)، قرب طهران، مثلما كانت اغتالت سابقًا القياديين في حزب الله، “عماد مغنية” (أوائل 2015)، و”سمير القنطار” (أواخر 2015)، إضافة إلى بعض من قادة الميلشيات العراقية – الإيرانية في بغداد.

لكن الحدث الأكثر أهمية ربما تمثل بقيام إسرائيل، عبر عملية استخبارية خاصة، بالسطو على جزء من الأرشيف النووي الإيراني من طهران (نصف طن من الوثائق والمواد السرية الخاصة بالبرنامج النووي)، وهو ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية (15/7/2018)، وكان بنيامين نتنياهو كشف عن عملية سرقة الأرشيف في مؤتمر صحفي عقده لهذا الغرض في أبريل من ذلك العام، في حين التزمت إيران الصمت، علمًا بأن نتنياهو وجه تهديدات صريحة لإيران، في هذا الشأن، من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في اجتماعها الدوري السنوي (أواخر 2018)، والذي بين فيه بالخرائط مواقع المنشآت في طهران، ومخازن تسلح حزب الله في بيروت. (لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة يوسي ميلمان في “هآرتس”، ورونين برغمان في “يديعوت أحرونوت”، 30/11/2020)

فوق كل ذلك فقد تعمدت إسرائيل دائمًا استهداف المواقع والمنشآت النووية في إيران، وضمنها مفاعل نتانز مثلًا، مطلع تموز/يوليو 2020، بحسب صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” (نيويورك تايمز، 14/7/2020)، وفي حينه ربط الصحفي الإسرائيلي “يوسي ميلمان” الانفجارات والحرائق (في شهري يونيو ويوليو 2020)، التي حدثت في إيران بسياق تاريخي أكبر يعود حسب تصوره إلى عام 2002، حيث تم وقتها الكشف عن مخطط إيران المتمثل في بناء مصنع من أجل تخصيب اليورانيوم في ناتانز، وأنه نتيجة لذلك تم تنفيذ العديد من أعمال التخريب والتدمير. “كما تم استخدام فيروس الكمبيوتر المسمى “Stuxnet” لهذا الغرض ما أدى عام 2010 إلى شل أجهزة الكمبيوتر التي كانت تسيطر على أجهزة الطرد المركزي في ناتانز.” (هآرتس، 13/7/2020)

لكن أكثر الاستهدافات الإسرائيلية لإيران تمت في (سوريا، ولبنان)، وأحيانًا في العراق ضد القواعد ومستودعات وقوافل السلاح التابعة للحرس الثوري الإيراني، وضمنها مواقع وقواعد ومستودعات الميلشيات التي تشتغل أذرع إقليمية لإيران، حتى لا يكاد يمر شهرًا أو أسبوعًا دون غارة إسرائيلية.

اللافت في هذا الأمر أن إيران، ورغم شعاراتها وتصريحاتها وتهديداتها النارية، لا ترد عمليًّا على الضربات والضغوط التي تتعرض لها، بالقدر نفسه، للأسباب المهمة الآتية:

أولًا: تدرك إيران أن وضعها، وفقًا لموازين القوى السائدة، والحالة الاقتصادية، والتوترات الداخلية_لا تسمح لها بأن تقوم بالرد لا على الاستهدافات الإسرائيلية، ولا الأمريكية في (سوريا، ولبنان، وفي إيران ذاتها)، سيما أن أي رد منها بأقل من المستوى اللازم لن يكون لائقًا، بل إنه سيكون مكلفًا ومضرًا، على الأغلب، على مكانتها أو صورتها الخارجية، كما ستكون له تداعياته على الصعيد الداخلي.

 ثانيًا: تبعًا لما تقدم، يحاول النظام الإيراني التعويض عن عدم الرد المباشر، باهظ الثمن، بانتهاج مسارين: الأول، ويتمثل بامتصاص الضربات الإسرائيلية؛ لا سيما أنها ليست قوية أو مؤثرة إلى الدرجة الكافية لإضعافه. والثاني، استخدام أدواته، المتمثلة بالأذرع الميليشياوية التابعة له، في (سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن)، ما يمكنه من تجنب انتقال الحرب إلى أرضه، وتغطية مواقفه وفقًا لمقولة الرد في المكان والزمان المناسبين.

 ثالثًا: تحاول إيران الاستثمار في عامل الوقت؛ لفرض برنامجها النووي، وهو ما تبين عن إستراتيجية مناسبة أو ناجحة إلى حد ما، وكذلك لتصديع الجبهة المقابلة لها، عبر اللعب على الخلافات الأمريكية – الروسية، أو الأمريكية – الصينية، أو الأمريكية – الأوروبية، على نحو ما يحصل في الاستثمار في تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا(عسكريًّا، وسياسيًّا، واقتصاديًّا).

 رابعًا: شكل الوجود العسكري الروسي في سوريا عاملًا حد من قدرة إيران على الحركة في ذلك البلد، ومن تصرفها كمن يملك حصرًا حرية العمل فيه، سيما مع واقع التنسيق الروسي- الإسرائيلي سابقًا، وهو وضع يفترض مراقبته بحكم التطورات الجديدة في الحرب الروسية في أوكرانيا، على ضوء التموضع الإيراني إلى جانب روسيا.

خامسًا: تحاول إيران تجنب أي رد عسكري على العمليات والاستفزازات الإسرائيلية، لمعرفتها بتفوق إسرائيل في عدد من المجالات، وأيضًا؛ لأن أي تصادم معها سيضعضع من تعاطف بعض الأطراف الدولية مع السياسة التي تنتهجها طهران، بالنظر إلى العلاقات المتميزة التي أضحت تربط إسرائيل بـ(روسيا، والصين، والهند).

التوظيفات:

يخطئ، أو يتسرع من يتصور أن إسرائيل، أو الولايات المتحدة الأمريكية، ستذهب إلى الحد الذي يقوِّض قوة إيران وامتدادها الإقليمي، فهي مع الولايات المتحدة كانت سهلت ذلك التمدد، أو سمحت به منذ البداية لإيران، ولأذرعها الطائفية العسكرية منذ تسليم العراق لها بعد إسقاط نظام صدام حسين 2003، في ظل حكم بول برايمر (9931 -2004)، الذي تم في عهده حل الجيش العراقي وكل الأجهزة الأمنية (وليس تسريح فئة كبار الضباط فقط)، كم تم ترسيم البنية الطائفية للنظام، وتمكين نوري المالكي في الحكم بين (2006- 2014)، حيث استشرى في عهده الفساد والانقسام الطائفي في البلد وصعود “داعش. لكن الأمر لم يقف عند التسهيل لإيران في العراق فقط، إذ تم التساهل مع تزايد نفوذها في لبنان (عبر حزب الله)، ومع تدخلها العسكري في سوريا، بحيث أضحت إيران الأكثر نفوذًا في منطقة المشرق العربي، أكثر بكثير من تركيا وإسرائيل. ولعل هذا الوضع هو ما جعل عديد من المسؤولين الإيرانيين يتبجحون بأنهم يسيطرون على خمس عواصم عربية أي(صنعاء، وبيروت، وبغداد، ودمشق مع غزة).

 وقد ثبت في التجربة بأن ذلك التمدد وإن حصل تحت غطاء مقاومة إسرائيل، أو انتصارًا للقضية الفلسطينية، إلا أنه أدى إلى خدمة إسرائيل أكثر من الإضرار بها؛ لأن ذلك التمدد أسهم في تمزيق وحدة مجتمعات المشرق العربي على أسس طائفية، أي أنه نجح فيما عجزت عنه إسرائيل منذ قيامها، وإضافة إلى ذلك فهو أدى إلى تقويض بُنى الدولة في تلك البلدان، وإنهاء ما يسمى (جبهة شرقية)، ولو مفترضة، ضد إسرائيل كانت تتمثل ولو شكلًا بالجيشين (السوري، والعراقي).

القصد هنا أن كل العداء (الإسرائيلي، والأمريكي) لإيران لا يعني أنه وصل إلى المرحلة الحاسمة، كما قد يعتقد أو يرغب البعض؛ إذ أن التداعيات الناجمة عن ذلك ذات مروحة خيارات واسعة من تقليم أظافر إيران إلى إنهاء نفوذها تمامًا وبين هذين البعدين ثمة خيارات وسط، لكن كلها تتعلق بمدى رؤية الطرف الأمريكي لبقاء الاستثمار، أو التوظيف (الأمريكي، والإسرائيلي) لإيران وسياساتها في بلدان المشرق العربي، للقيام بالدور “القذر” عنها، أي للقيام بما تعجز إسرائيل عن القيام به؛ لإضعاف تلك البلدان بحيث تبقى هي، أي إسرائيل، بمثابة الدولة الأكثر استقرارًا وتطورًا في المنطقة ولعقود من الزمن.

مع ذلك، أو ضمن تلك المروحة يمكن ملاحظة بعض الخلافات، أو التباينات بين (الولايات المتحدة، وإسرائيل)، وسبب ذلك شعور إسرائيل بأنها هي التي تتأثر بأي نقطة زائدة لدى إيران، وإنها معنية لهذا السبب بالعمل المباشر للرد، بدل ترك الأمور لمزيد من مراكمة النقاط لصالح إيران، في حين ترى الولايات المتحدة بأن الأولوية الآن يجب أن تتركز على وضع قيود على برنامج إيران النووي، كمرحلة أولى.

 هكذا، فإن هذا الوضع هو الذي يفسر محدودية الاحتكاك بين (إسرائيل، وإيران)، وبالعكس، إذ إسرائيل تريد مجرد إبعاد إيران عن حدودها مع سوريا بمقدار مئة كيلومتر، وبعدها لا يهمها ما تفعله في سوريا أو العراق، وهذا ما كانت أوكلته لروسيا سابقًا؛ لإفهام إيران بهذه المعادلة. كما تريد إسرائيل وقف تدفقات السلاح إلى حزب الله (سيما الصواريخ، والمسيرات)، ولا يهمها أي سلاح آخر، كما لا يهمها ما يفعله حزب الله في لبنان، بمعنى أن وجود النفوذ الإيراني في (سوريا، والعراق، ولبنان) لا يهم إسرائيل، طالما ظل بعيدًا عنها؛ لأنها ترى فيه عاملًا لاستمرار حال الاضطراب والتصدع في هذه البلدان، بفعل إيران، كأن إيران تقوم بالشغل “القذر” بدلًا منها.

 ثمة توظيف آخر في الاستثمار الإسرائيلي، وتاليًا الأمريكي في إيران، يتمثل بابتزاز الدول العربية- سواء بتزايد النفوذ الإيراني في بعض البلدان، أو عبر إمكان حيازتها لسلاح نووي ولترسانة صاروخية، وهو ما أدى إلى تحول عديد البلدان العربية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بل ونحو الاستعداد للانخراط في منظومة إقليمية سياسية واقتصادية وأمنية معها بدعوى صعود خطر إيران، طالما أن الولايات المتحدة لم تعد مصدر ثقة في هذا الأمر، أو باعتبارها تبدو مرنة جدًا إزاء ما تمثله إيران وتهديداتها.

 طبعًا من البديهي القول بأن: إسرائيل، والولايات المتحدة حاسمتان في الحؤول دون تملك إيران لقنبلة نووية، وعدم حيازتها قوة صاروخية، لكن الولايات المتحدة لا تبدي حزمًا لازمًا -من الناحية العملية- في هذا الأمر، على الأقل ليس بالقدر الذي فعلته في العراق لمجرد الظن بإمكان حيازته لقوة نووية وصاروخية 2003،أو لما فعلته إسرائيل لدى تدميرها مفاعل تموز في العراق 1981، لكن إسرائيل، والولايات المتحدة لا تبديان أي حماس لإضعاف نفوذ إيران الإقليمي، وهذا هو معنى الاستثمار(الإسرائيلي، والأمريكي) بسياسات إيران.

الاحتمالات والخيارات :

ثمة عديد من الاحتمالات والخيارات في شأن التصارع الإسرائيلي – الإيراني، بمعنى أنه لا يوجد احتمالٌ واحد أو طريق واحد مستقيم، وذلك بالنظر لتعقيدات الصراع في المنطقة، ومداخلاتها الإقليمية والدولية؛ وأيضًا بسبب التوظيفات المتضاربة(الإسرائيلية، والأمريكية) في النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، على نحو ما سبق ذكره.

الاحتمال الأول: يمكن أن يتمثل باستمرار الواقع الراهن، أي فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني، وعلى برامج التسلح الإيرانية، وهما الأمران اللذان يهمان إسرائيل، مع الإبقاء على نفوذ إيران في (سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن) للاستثمار فيه لابتزاز هذه الدولة العربية أو تلك، وبما يخدم إسرائيل سواء في الصراع أو في التسوية والتطبيع معها.

الاحتمال الثاني: هو نشوء واقع دولي وإقليمي يتطلب إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة، وإعادتها إلى حدودها، سيما بحكم تموضعها إلى جانب روسيا في الحرب الأكرانية، في حال تمخضت الحرب عن تراجع روسيا، وهذا الوضع يتطلب نظامًا دوليًّا مختلفًا، يقوم على نزع فتيل الصراعات الإقليمية، وضمنها تسوية جديدة للقضية الفلسطينية تؤدي إلى تعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة من مدخل استعادة فكرة إقامة نظام شرق أوسطي جديد.

الاحتمال الثالث: نشوء وضع صعب في إيران يؤدي إلى خلخلة نظام “الولي الفقيه”، وهذا مرهون بإمكان استمرار الحراكات الشعبية في إيران، وتحولها إلى واقع ضاغط على الأطراف الدولية والإقليمية لعزل إيران وإضعافها، وضمنه إنهاء نفوذها في بلدان المشرق العربي.

طبعًا لا يوجد احتمال رابع قوامه قيام إيران بإحداث نقله في صراعها مع إسرائيل، في الدخول بمواجهة عسكرية معها، والخروج بمكاسب سياسية من ذلك، فلا إمكانيات إيران تمكنها من ذلك، ولا المعطيات الدولية والإقليمية تسمح لها بذلك.

اظهر المزيد

ماجد كيالي

بــاحــث فلسطيــني - سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى