2023العدد 195ملف إقليمي

إيران: ” ماذا بعد تطبيع العلاقات مع السعودية… الفرص والتحديات”

يُعد اتفاق تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية، الذي تم توقيعه بتاريخ 10 مارس 2023، نقطةَ تحول بالغة الأهمية ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، وإنما أيضًا على مستوى منطقة الخليج، والشرق الأوسط وعملية إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية والدولية. ومنذ ذلك الحين فقد أصبح واضحًا حِرصُ الجانبين (السعودي، والإيراني) على الإسراع باتخاذ جميع الخطوات الكفيلة باستعادة ليس فقط العلاقات الدبلوماسية، وإنما العمل أيضًا على استئناف العلاقات بينهما في مختلف المجالات.

تطبيع طهران علاقاتها مع الرياض: الفرص والمكاسب:

أولًا: على الصعيد السياسي:

ساهم اتفاق تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية على تهدئة علاقات طهران مع الرياض، كما مهَّد أيضًا الطريق لاحتواء الخلافات، ومعالجة المشاكل العالقة بينهما، والعمل على إيجاد طرق ومسارات دبلوماسية للتفاهم، كما ساهم الاتفاق أيضًا في كسر العزلة الدولية المفروضة على طهران، والتخفيف من الضغوط الدولية المتزايدة عليها في الآونة الأخيرة؛ بسبب الانتهاكات المأخوذة عليها بسبب ملف حقوق الإنسان، فضلًا عن إخفاقها في التوصل إلى تسوية بشأن الاتفاق النووي مع الغرب. كما أن بدء النظام الإيراني في تصفير المشكلات والخلافات مع دول الجوار الإقليمي -وبخاصة السعودية- قد ساعد في إظهار النظام الإيراني بمظهر القادر على تحقيق إنجازات على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية التي يواجهها، وفي إطار تنفيذ الاتفاق أعادت إيران فتح سفارتها بالعاصمة السعودية (الرياض) في السادس من يونيو 2023، حيث تم تعيين سفير جديد لطهران لدى الرياض، كما تم أيضًا إعادة فتح القنصلية العامة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في جدة ومكتب ممثل إيران لدى منظمة التعاون الإسلامي، ومن جهتها قامت المملكة العربية السعودية بإعادة فتح سفارتها في إيران في أوائل شهر أغسطس 2023. وفي هذا السياق ولأول مرة التقى ولي عهد السعودية “محمد بن سلمان” بوزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” في مدينة جدة في 18 أغسطس 2023، حيث تم بحث فرص التعاون المستقبلية بين البلدين. وعلى صعيد منطقة الخليج ساهم استئناف العلاقات السعودية -الإيرانية في تحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي من خلال التمهيد لإحداث تقارب خليجي – إيراني، بما في ذلك وقف التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول الخليجية، كما تطرقت التصريحات الإيرانية أيضًا إلى وجود رغبة لعودة علاقات طهران مع كل من (مصر، والأردن). وقد بدت أيضًا ثمة بوادر انفراجات نسبية محتملة على صعيد العديد من الأزمات في المنطقة العربية: فعلى صعيد الأزمة اليمنية، بدأت خلال شهر أبريل 2023، أكبر عملية لتبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وإجراء مفاوضات في صنعاء بحضور وفد سعودي وعماني من أجل التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه تثبيت وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن الموانئ والمطارات اليمنية، ومن جانبها أكدت البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة أن استئناف العلاقات بين (إيران، والسعودية) سوف يساهم في بدء الحوار اليمني وتشكيل حكومة وطنية شاملة، ورسم ملامح جديدة لمسار التسوية السياسية في اليمن. وعلى صعيد الأزمة العراقية، نجد أنه عقب تطبيع العلاقات بين كل من (الرياض، وطهران)، أعلنت الأخيرة عن إفراج العراق -بموافقة أمريكية- عن 500 مليون دولار أمريكي كانت مجمدة لتسديد جزء من ديون إيران لدى العراق، كما لاحت في الأفق مؤشرات على تقلص حدة الاحتقان بين الأطراف والقوى السياسية والمذهبية في العراق. وكانت الساحة العربية قد شهدت انفراجة أخرى على صعيد الأزمة السورية، تمثلت في اتفاق كل من (سوريا، والسعودية) في 23 مارس 2023، على معاودة فتح سفارتيهما، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى جانب الاتفاق على استئناف العمل القنصلي وعودة رحلات الطيران بين البلدين. كما ساهمت المساعي والجهود السعودية في إعادة سوريا إلى محيطها العربي من خلال استصدار وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع طارئ عقد بالقاهرة بتاريخ 7 مايو 2023، قرارًا بشأن استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها.

ثانيًا: على الصعيد الاقتصادي:

مهد استئناف العلاقات بين البلدين الطريق للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، وإقامة مشروعات مشتركة، الأمر الذي سيعطي دفعة مؤثرة للاقتصاد الإيراني، الذي يعاني من أزمات متتالية بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليه. ولا شك أن الانفتاح (الاقتصادي، والاستثماري، والتجاري) لدول الخليج على إيران حتى وإن كان بمقدار في البداية سوف يسهم في النهوض بالاقتصاد الإيراني، وفي هذا الإطار أعرب وزير خارجية إيران “حسين أمير عبد اللهيان” عن إمكانية تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة مع السعودية؛ لما لذلك من أهمية في تطوير العلاقات (الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية) بين البلدين وفي ظل ما تتمتع به إيران من امكانيات لجذب الاستثمارات في مجالات (الصناعة، والتعدين، والسياحة، والزراعة). ومن جانبه أعلن وزير الاقتصاد الإيراني “إحسان خاندوزي” أن غرفة التنمية التجارية الإيرانية تعمل على إنجاز “خريطة طريق” للتعاون الثنائي مع السعودية، وأنها تضع أمامها هدفًا ألا وهو أن تبلغ قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو مليار دولار أمريكي. وفي وقت لاحق، أشار وزير الاقتصاد الإيراني إلى أن المفاوضات التي أجراها مع نظيره السعودي قد تناولت مجالات (التجارة، والاستثمار، والتفاعلات الدولية)، وأنه قد تم الاتفاق على تبادل سفر الوفود الاقتصادية من القطاع الخاص. ومن جانبها، كشفت السلطات الإيرانية تفاصيل خطة تطوير حقول النفط المشتركة مع الرياض، وأنه قد تم الحصول على الموافقات اللازمة لتنفيذ عمليات مختلفة بما في ذلك زيادة الإنتاج والتطوير الجديد. وجدير بالذكر، أن استئناف العلاقات بين البلدين قد منح طهران فرصة الترويج مجددًا لمبادرة “تحالف الأمل” للسلام في منطقة الخليج، والتي تهدف إلى التمهيد للعمل الجماعي لتحقيق أمن الطاقة وحرية الملاحة وتدفق النفط من وإلى مضيق هرمز.

ثالثًا: على الصعيد الأمني وبصفة خاصة الملف النووي الإيراني:

تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، قد تأخرت بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية في العودة السريعة إلى الاتفاق النووي الإيراني، والذي قرر الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” الانسحاب منه من جانب واحد. ومن جانبها، ترددت إيران في الموافقة على حلول وسط طرحت أوروبيًّا لاستئناف الاتفاق فيما يُسمى “بخطة العمل الشاملة المشتركة”، وصعدت من تحركاتها لفرض الأمر الواقع بالإعلان عن مضاعفة قدراتها في تخصيب اليورانيوم واستخدامها أجهزة الطرد المركزي المتطورة، فضلًا عن تطوير قدراتها الصاروخية، وقد أدى ذلك في مجمله إلى توقف المفاوضات بين الجانبين. ومع استئناف العلاقات بين (الرياض، وطهران) لاحت في الأفق ثمة انفراجة في الملف النووي الإيراني، حيث كشفت العديد من المصادر عن محادثات تجري خلال شهر يونيو 2023، بين مسؤولين أمريكيين وغربيين من جهة ومسؤولين إيرانيين من جهة أخرى في سلطنة عمان، وذلك بهدف رسم خطوات يمكن أن تؤدي إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني، وإطلاق سراح مواطنين أمريكيين محتجزين في إيران، وإنهاء تجميد بعض الأصول الإيرانية في الخارج. ويمكن اعتبار هذه الخطوات بأنها بمثابة “تفاهم تهدئة ثنائي” ([1]) بين الجانبين أقل رسمية، حيث يتجنب هذا التفاهم الثنائي مراجعة الكونجرس الأمريكي، وتأمل واشنطن من خلاله استعادة بعض القيود على إيران؛ لمنعها من امتلاك السلاح النووي، والذي يمكن أن يهدد إسرائيل ويثير سباق التسلح بالمنطقة. وعليه فقد بدا توافق الأمريكيين والإيرانيين على أن الخيار الأفضل هو صفقة مؤقتة أو مجموعة من الإجراءات الطوعية المتبادلة لوقف التخصيب عند 60 %، وتحقيق المزيد من التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعدم تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدمًا مقابل تحويل أموال إيرانية موجودة في الخارج.

التحديات التي تواجهها إيران في أعقاب استئناف علاقاتها مع السعودية:

  • مشاكل الحدود البرية والمائية مع دول الجوار في الخليج:

لاحت في الآونة الأخيرة بوادر توتر جديد بين إيران من ناحية وكل من (السعودية، والكويت) من ناحية أخرى؛ حيث أكدت إيران في 30 يوليو 2023، تمسكها بما وصفته ب “حقوقها” في حقل غاز “آرش” ([2]) المتنازع عليه مع السعودية والكويت في حال عدم وجود رغبة لدى البلدين للتوصل إلى “تفاهم” بشأنه، ويعود النزاع بشأن هذا الحقل إلى ستينيات القرن الماضي، وقد ثارت مجددًا التوترات بشأن هذا الحقل بعد إعلان طهران استعدادها لبدء التنقيب، بينما ردت الرياض والكويت بتأكيد امتلاكهما ” الحقوق الحصرية “بشأنه. وقد تزامن ذلك مع انطلاق “مناورات اقتدار القوة البحرية” للحرس الثوري الإيراني بتاريخ 2 أغسطس 2023، في منطقة الخليج العربي مع التركيز على جزيرة “أبو موسى”، وهي الجزيرة المتنازع عليها مع دولة الإمارات العربية بجانب طنب الكبرى، وطنب الصغرى. وفي هذا الإطار دعى قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني “علي رضا تنكسيري” الدول العربية المطلة على الخليج إلى “وقف انتهاك سيادة الجزر الإيرانية”، لافتًا إلى أن ” الجزر في الخليج تعد جزءًا من شعب إيران العظيم”. جدير بالذكر أن كلًا من (الصين، وروسيا)، كانت قد أعلنتا مؤخرًا أحقية دولة الإمارات في الجزر الثلاثة، الأمر الذي دفع طهران إلى الإعراب عن استيائها من الموقفين (الروسي، والصيني)، حيث قامت الخارجية الإيرانية باستدعاء السفير الروسي لدى طهران لتبلغه احتجاجها الشديد، وهو ما فعلته نهاية العام الماضي مع السفير الصيني احتجاجًا على بيان مماثل بشأن الجزر الإماراتية الصادر عن القمة الخليجية الصينية التي عُقدت في الرياض. 

  • تداعيات الانخراط الإيراني في الحرب الروسية – الأوكرانية:

في ظل انخراط إيران في الحرب الروسية الأوكرانية، ودعمها لموسكو بالمسيرات التي تم استخدامها لمهاجمة البنية التحتية الأوكرانية توالت المواقف الأوروبية المتشددة ضد إيران، والتي بدا معها تراجع أولوية الملف النووي الإيراني في مقابل تصدر أولوية وقف الدعم الإيراني لروسيا بالمسيرات. ومن جانبها، فرضت بعض الدول الأوروبية وواشنطن عقوبات على أشخاص وكيانات إيرانية مرتبطة بتصنيع المسيرات، كما صوت البرلمان الأوروبي على إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية. ومن جانبها، سعت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى تعديل قانون “مكافحة أعداء أمريكا”، ويهدف التعديل إلى منع إيران وأية جماعات إرهابية أو ميليشيات متحالفة معها من الحصول على طائرات من دون طيا.

  • الموقف الإسرائيلي واحتمالات تصاعد التوتر بين تل أبيب وطهران:

تتسم العلاقة بين (إيران، وإسرائيل) بالعداء الشديد؛ حيث تسعى تل أبيب إلى تشكيل جبهة موحدة مع الدول العربية ضد عدوها اللدود طهران. وفي هذا السياق، أدركت واشنطن في الفترة الأخيرة ومن ورائها إسرائيل أن الظروف قد أضحت مهيأة لتجاوز الطرح الراهن للنظام الإقليمي العربي، ومن ثم فقد سعت إلى طرح مقاربتها الإستراتيجية والأمنية لمنطقة الشرق الأوسط وذلك بما يمهد لبناء نظام شرق أوسطي جديد. وانطلاقًا من هذه المعطيات، فقد دعت إسرائيل إلى عقد الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى النقب في 28 و29 مارس 2022، بقلب صحراء النقب بإسرائيل، والذي شارك فيه وزراء خارجية كل من (إسرائيل، والولايات المتحدة، والإمارات، والبحرين، ومصر، والمغرب)، وقد تم خلال الاجتماع الوزاري التاريخي بحث خطة التعاون المشترك في مواجهة التهديدات المشتركة والتي تمحورت حول التصدي للصواريخ الباليستية والطائرات التي تطلقها إيران وأذرعها باتجاه دول المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أنه في أعقاب استئناف العلاقات السعودية- الإيرانية، فقد باتت إسرائيل أشد المتضررين من هذا التقارب في ضوء انعكاساته السلبية على المصالح الإسرائيلية في المنطقة. وتشير تقارير العديد من المراقبين السياسيين إلى أنه في ظل تعميق التعاون العسكري بين (إيران، وروسيا)، فإن ذلك من شأنه أن يدفع إسرائيل إلى التحوط من احتمالات قيام إيران بتعزيز قدراتها الجوية أو ترسيخ وجودها في سوريا بمساندة روسيا، الأمر الذي تتزايد معه احتمالات أن تشهد الفترة المقبلة توترات متصاعدة بين (إيران، وإسرائيل).

  • موقف الولايات المتحدة وتصاعد التوتر بين واشنطن وطهران في سوريا:

لم تكتفِ واشنطن بفرض عقوبات على طهران -وبصفة خاصة على الشركات الإيرانية التي لها علاقات مع البنوك الأمريكية- بل تصاعدت التوترات في الفترة الأخيرة بين البلدين -وبصفة خاصة في سوريا -عبر استهداف مواقع إيرانية وأخرى أمريكية. وفي هذا السياق، أرسلت البحرية الأمريكية في شهر أبريل 2023، غواصة صاروخية موجهة إلى الشرق الأوسط، وتعمل هذه الغواصة بالطاقة النووية، وهي قادرة على حمل 154 صاروخًا من طراز “توما هوك كروز” إلى مياه الشرق الأوسط عبر قناة السويس. وقد جاء استعراض القوة الأمريكي مع تمديد ” البنتاجون” نشر حاملات الطائرات ([3]) في أعقاب الهجوم الذي شنته ميلشيات مدعومة من إيران خلال شهر مارس 2023، على أمريكيين في سوريا. ويمكن فهم استعراض القوة الأمريكي في إطارين: الأول، مرتبط بالتوترات بين (واشنطن، وطهران) واستهداف الطرفين بعضهما البعض في سوريا، والآخر: يرتبط برغبة واشنطن في أن تبرهن على أنها مازالت تحتفظ بدورها فيما يتعلق بضمان أمن منطقة الشرق الأوسط، حتى لو دخلت أطراف أو قوى دولية أخرى كالصين في مساحات النفوذ الأمريكي.

عراقيل تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني:

على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي لاحت مؤخرًا في الأفق على صعيد المسار التفاوضي بين (طهران، وواشنطن) فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني من خلال ما يسمى ” بالصفقة المؤقتة” أو ” تفاهم التهدئة الثنائي”، إلا أنه يبدو أن الترويكا الأوروبية ([4])(ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة) قد وجدت نفسها خارج المعادلة التي يجري صياغتها بين (واشنطن، وطهران). وعليه، فقد سعت الترويكا الأوروبية إلى اعتماد مسار تصعيدي ضد طهران من خلال إبلاغها باعتزام الإتحاد الأوروبي الإبقاء على عقوبات الصواريخ الباليستية والمقرر أن تنتهي في 18 أكتوبر بموجب قرار من الأمم المتحدة بشأن الاتفاق النووي المبرم في 2015. وفي هذا الإطار، أشارت المصادر أن من شأن إبقاء الإتحاد الأوروبي على العقوبات أن يعكس رغبة الدول الأوروبية في منع إيران من تطوير الأسلحة النووية. وجدير بالذكر، أن العلاقات الدفاعية المتنامية بين (طهران، وموسكو) قد أثارت قلق القوى الأوروبية، وذلك في ضوء استخدام روسيا الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع في ضرب أوكرانيا، وأنه من المرجح أن تتمكن طهران من تزويد موسكو بالصواريخ الباليستية.

رؤية مستقبلية:

خلاصة القول إنه إذا كان تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية قد أشاع قدرًا من التفاؤل في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن هذا التفاؤل ينبغي أن يتسم بالحذر الشديد، فعودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين لا يعني بالضرورة الاتفاق فيما بينهما على كل الملفات، أو أنها ستوفر حلولًا سريعة للقضايا الإقليمية المنخرط فيها الطرفان، كما أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين لن تنهي حالة التنافس بينهما على الساحة الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد أدنى مؤشرات على حدوث تغيير في الأهداف الإستراتيجية لإيران أو سلوكها الإقليمي في المنطقة؛ حيث يصعب إغفال الطابع البراجماتي للسياسة الخارجية الإيرانية، والتي ترتكز على أن أمن إيران لا يتحقق إلا من خلال نشر أيديولوجيتها ومفاهيم تصدير الثورة والتوسع خارج الحدود؛ لتحقيق الهيمنة الإقليمية من خلال وكلائها وأذرعها في المنطقة. وعليه، فمن المستبعد أن تتخلى إيران عن مشروعها التوسعي وطموحاتها الخاصة بتحقيق الهيمنة الإقليمية، ومن ثم فإن مدى تحقيقها للفرص والمكاسب في ضوء استئنافها لعلاقاتها الدبلوماسية مع السعودية يعتمد بالأساس على درجة توافقها مع الجانب السعودي، كما يعتمد أيضًا على قدرة البلدين على تجاوز الملفات الخلافية العالقة بينهما ومدى التزامهما بتنفيذ بنود الاتفاق المبرم ثم البناء عليه لتحسين العلاقات الثنائية في الفترة القادمة. وعلى صعيد الملف النووي الإيراني، فعلي الرغم من مساعي الإدارة الأمريكية الراهنة للتوصل إلى صفقة بديلة عن إحياء الاتفاق النووي الإيراني، إلا أنه من المستبعد أن تتخلى طهران عن برنامجها النووي وعن مخزوناتها من اليورانيوم المخصب، والتي تعتبرها أوراقًا رئيسة للضغط على الولايات المتحدة والغرب. وفي هذا السياق، فمن المرجح أن المرونة التفاوضية الأخيرة التي أبدتها إيران ماهي إلا جزء من مناورات وممارسات تكتيكية لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع، وتحقيق أهداف بعيدة المدى سواء بالاعتراف الإقليمي والدولي بدورها ومكانتها في المنطقة أو بالتحول إلى قوة نووية إقليمية.


([1]) يتجنب المسؤولون الأمريكيون القول بأنهم يسعون إلى التوصل إلى ” اتفاق”، والذي يستوجب مراجعته من قبل الكونجرس الأمريكي وربما التصويت عليه.

([2]) يطلق على هذا الحقل اسم ” الدرة” في كل من (السعودية، والكويت).

([3]) جاء نشر حاملات الطائرات تحسبًا لهجوم بحري محتمل على سفن تجارية إسرائيلية ردًا على الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا الشهر الماضي، والتي أسفرت عن مقتل ضابطين إيرانيين في الحرس الثوري.

([4]) تعد الترويكا الأوروبية (ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة) الشريكة في السداسية الدولية التي أنتجت اتفاق إيران النووي لعام 2015.

اظهر المزيد

سامية بيبرس

وزير مفوض- الامانة العامة لجامعة الدول العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى