2019العدد 177ملف عربي

المناورات العسكرية العربية المشتركة إشكاليات الحاضر وآفاق المستقبل

أولًا: الجذور التاريخية والأطر القانونية

الجذور التاريخية والأصول المعاصرة لمفهوم وعقيدة الدفاع المشترك في السياسة العربية المعاصرة ليست بكل اليقين وليدة اليوم، بل ربما يعود في الوقت الحاضر إلى مصدرين أو منبعين أساسيين أولهما ميثاق جامعة الدول العربية منذ عام 1945 السابق على ميثاق الأمم المتحدة وكلاهما حصاد ما بعد الحرب العالمية الثانية، أما ثاني المصدرين في تاريخنا  المعاصر فهو بشأن الدفاع العربي المشترك 1951 بالترتيب الزمني، وحتى كلا المصدرين العربيين يعودان في منابعهما وخلفياتهما التاريخية الأولى الأقدم إلى فجر التاريخ الإسلامي، والدولة العربية الأولى في عصور الخلافة الإسلامية، ومفاهيم العروبة والأمة الواحدة ثم القومية العربية فيما بعد عهد ازدهار القوميات بعد الحرب العالمية الأولى والتي انطلقت في عالمنا العربي رفضا ومعارضة للحكم العثماني.

وقد عاصرت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مدًا قوميًا لحركات التحرير الوطني في مصر والمشرق والمغرب العربي وشهدت النشأة والتوافق لاتفاقية الدفاع العربي المتبادل والتعاون الاقتصادي المؤرخة في 7يونيه 1950 وكانت تضم 7دول عربية مستقلة عندئذ (مصر، العراق، الأردن، لبنان، السعودية، سوريا، ليبيا)، في موادها العاملة لاتفاقية الدفاع المشترك في الفقرتين(2)،(6) اللتين تعبر أحدهما (فقرة 2) أن العدوان المسلح ضد دولة أو أكثر من الدول العربية أو على قواتها المسلحة موجهة لها جميعًا ومن ثم عملاً بمبدأ الدفاع عن النفس فرديا وجماعية (أي تطبيقًا للمادة (51) لميثاق الأمم المتحدة، فإن الدول العربية تتعهد بأن تبادر ودون إبطاء بمساعدة الدولة أو الدول التي يرتكب ضدها مثل هذا العدوان وأن تتخذ على الفور فرديًا أو جماعيًا الخطوات المتاحة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لردع العدوان واستعادة الأمن والسلام إلى نصابهما، وأنه سوف يتم إبلاغ مجلس الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي بمثل هذا العدوان والإجراءات التي اتخذت لردعه.

أما المادة (5) فتشير إلى تشكيل لجنة عسكرية دائمة من هيئات الأركان العامة للجيوش العربية لوضع خطط الدفاع المشترك، وتشير المادة (6) إلى تشكيل مجلس دفاع مشترك للإشراف على تنفيذ مواد الاتفاقية، وهو مكون من وزراء الخارجية والدفاع (تشمل الاتفاقية  13مادة وملحقًا عسكريًا) وانطباعاتي أن إعادة قراءة اتفاقية الدفاع المشترك في ظل ظروفنا الحاضرة وتحدياتها وفى ظل ما يشبه الإجماع يعد قاعدة توافق عربي واسعة على إجراءات مناورات عسكرية عادية مشتركة في ظل ظروف مختلفة بكل المعايير، لكنها لا تقل صعوبات وخطرًا على ضوء المتغيرات في السنوات الأخيرة.

ثانياً: هذه الخلفية السياسية والقانونية

كانت كلها بمثابة الأسس التي استندت إليها كل المحاولات العربية لتشكيل قوة عربية موحدة وإن لم يكن الوقت قد حان بعد لتخرج إلى العالم وربما كانت آخر المحاولات الحديثة لتشكيل تلك القوة العربية المشتركة بهدف الدفاع المشترك لصون السلم والأمن العربي الجماعي، كما انعكس في اتفاق الدفاع المشترك منذ أكثر من عقود، هو ما كان قد اتفق عليها مارس 2015 في اقتراح الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ لإنشاء قوة عسكرية موحدة لمواجهة الأزمات، خاصة مكافحة الإرهاب وحماية المدنيين ووقف التدخلات الإقليمية في الدول العربية. ثم جاء إحياء الاقتراح في شكل مناورات عربية مشتركة بحرية جوية برية وقوات خاصة، بدءًا من مناورات درع العرب (1) في مصر 3-16 أكتوبر2018.

الأطر القانونية

اتفاقية الدفاع العربي المشترك

تنفيذًا لميثاق الجامعة إنما تكمن في نصوص الاتفاقية وملحقها العسكري وفي نصوص الميثاق ذاته، بل وفي نصوص ميثاق الأمم المتحدة، وهي كلها تمثل القواعد القانونية التي تُشرِع إجراءات الدفاع المشترك حسب المصطلح الذي يُستخدم في كل حالة من حالات الردع والصد لأي عدوان مسلح.

ثالثاً: أمثلة تاريخية وتجارب الماضي لتنظيم الدفاع المشترك النجاحات والإخفاقات

شهدت جامعة الدول العربية منذ القرن الماضي محاولات أولية لتشكيل قوة عسكرية عربية أو بعبارة أدق عمليات عسكرية مشتركة تحت عدة مسميات “قوة أمن عربية”، قوة رمزية، قوة ردع عربية، أو حتى مصطلح قوة للجامعة العربية ( وهي في الحقيقة قوة حفظ سلام ومراقبة بحتة. ومهما كانت المسميات لهذه الأشكال العسكرية المشتركة الثلاثة كانت محاولات محدودة للجامعة العربية للتدخل في أزمات عربية حادة، لكن إنشاء قوة عربية عسكرية واحدة يمكن أن تطلق عليها قوة تدخل مقاتلة هدفها تحرير دولة عربية هي الكويت في أزمة التدخل العسكري للعراق في الكويت عام 90-91 (عملية ردع العدوان)، أما الأمثلة الأخرى فهي:

  • قوة الجامعة العربية في الكويت ما بين سبتمبر 1961 وفبراير 1963 وهي قوة استهدفت صون السلام في الكويت في أعقاب الاستقلال من بعض الأطماع الخارجية
  • قوة أمن رمزية بين يونيو 1976 إلى أكتوبر 1976 (وهي قوة أمن رمزية بين الكويت والعراق

وهذه العمليات المشتركة الثلاثة (من عدة دول عربية) هي في الحقيقة عمليات مستقلة من قوات حفظ السلام لا قوات تدخل أو ردع أو فض اشتباك.

وفى لبنان تحديدًا شهدت الجامعة العربية بعد اجتماع لها في القاهرة (بحضور سوريا ومصر ولبنان والسعودية والكويت وفلسطين) قوة حفظ سلام عربية مكونة من 30000 فرد وذلك بعد مناقشة الدور السوري في لبنان وكان مجلس وزراء خارجية الجامعة العربية في القاهرة قد وافق على تشكيل قوة سلام عربية وأحيل إلى القمة العربية في الرياض لإقراره ليطلق عليه بعد ذلك (قوة ردع عربية)1976

ربما كان أنجح إنجازات القوات العربية المشتركة في مهام تدخل عسكرية دائمة من القوات المشتركة تهدف إلى درء عدوان  إحدى الدول العربية (العراق) على دولة عضو ) الكويت عام 1990 من السعودية ودول عربية أخرى (مصر، سوريا) ومن الولايات المتحدة وهي إعادة السلام والاستقرار إلى نصابهما بعد خروج القوات العراقية من الأراضي الكويتية تطبيقًا لاتفاقية الدفاع المشترك وميثاق الجامعة العربية وقرارات مجلس الأمن وإن لم يزل الجدل القانوني لتلك السياسة مستمرًا حول مشروعية الحاجة لمبدأ الإجماع أو الأغلبية في القمة العربية بالقاهرة وهو ما يرتبط بتفسير مصطلح الإجماع أو الأغلبية في اتخاذ قرارات السلم والحرب في ميثاق الجامعة العربية.

رابعاً : تجارب الحاضر، تحدياتها وإشكالياتها وفرص نجاحها

هذه كلها تجارب الماضي إن هي إلا أمثلة على محاولات جادة حققت بعض النجاح أو واجهت الإخفاق في تشكيل قوة عربية مشتركة لأهداف متنوعة، كما سبق القول، للأمن والمراقبة وحفظ السلام وربما لما وصف بالردع، أو حتى لمهام التدخل المباشر والقتال والتحرير، وكانت كلها في خلفية القادة وصناع القرار في المحاولات والجهود الجادة للعودة مرة أخرى لمحاولة إحياء تجارب الماضي بتشكيل قوات عربية مشتركة. برغم المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية العميقة في الشرق الأوسط، وهو ما أدى لأن تواجه تحديات شديدة الاستعصاء على الحل بل وإشكاليات يصعب أحيانًا إيجاد مخرج لها، لكن ثمة تجربتان حديثتان شهدتا إخفاقًا كبيرًا في تشكيل قوات عربية مشتركة للتعامل مع وضعين عربيين تعرضا لعدوان خارجي سافر صريح ولأزمة حرب أهلية في نفس الوقت ولم تتمكن الدول العربية للأسف من تحقيق توافق واسع القاعدة يسمح بتكوين قوة عربية مشتركة.

 الموقف الأول الأزمة السورية ـ رغم محاولات الجامعة العربية لضمان تدخل عربي كقوة أقرب إلى حفظ السلام ومراقبة وقف الحرب وحماية المدنيين، ولكن الجهود لم تثمر لتباين المواقف العربية في أحداث الربيع العربي.

الموقف الثاني هو التغيير والثورة في ليبيا، وتدخل الناتو عسكريا، تحت مسمى (الحق في الحماية) فانتهت الأمور إلى حرب واقتتال ثم تمزيق الوطن العربي الذي شهد اضطرابًا أمنيًا وسياسيًا شديدًا في كل ما أطلق عليه عندئذ الربيع العربي، وربما يكون ذلك ما حال دون بلورة موقف عربي موحد وهو شرط ضروري لتشكيل أي قوة عربية مشتركة.

خامساً : حالة التدخل الإيراني السافرة في دولة عربية ذات أهمية وموقع استراتيجي

حاكم هي اليمن دفع دولتين عربيتين خليجيتين هما السعودية والإمارات (مدعومة من مصر بشكل أو بآخر) قد تمكنا من تشكيل قوة عربية تحاربان العدوان الإيراني وتدخله في الشئون الداخلية في اليمن بدعم فصائل الحوثيين وتعميق الانقسام المذهبي بين الزيديين الشيعة والسنة في اليمن ومحاولات السيطرة على جنوب شبه الجزيرة العربية، وتهديد الملاحة في مضيق باب المندب وطرق التجارة وهو ما دفع مصر للدفع بقطع من البحرية المصرية لحماية المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومن تهديد قناة السويس.

ولعل هذه التطورات تحديدًا في اليمن ما شكل الدافع الاستراتيجي وراء حماس كل من السعودية والإمارات بشكل قوي لدعم الاقتراح الذي كانت مصر قد تقدمت به عام 2015 في قمة شرم الشيخ بتكوين قوة عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب وحماية المدنيين ويبدو أن ملاءمة عام 2017 جاءت عندما تولت إدارة  الرئيس ترامب مقاليد الرئاسة في أمريكا فطرحت بقوة اقتراحًا محددًا ومباشرًا لإنشاء حلف استراتيجي شرق أوسطي قوامه مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وإن كان في البداية بقيادة الولايات المتحدة حتى ولو كانت قيادة من الخلف كما يقال.

هذا الاقتراح من الرئيس ترامب بتشكيل حلف استراتيجي شرق أوسطي أو الذي يطلق عليه مجازًا مصطلح (الناتو العربي) لما قد يبدو من أوجه تشابه بين هذا الناتو العربي والناتو اليورو أطلنطي من الأهداف رغم ما بينهما من اختلافات في المهام والمفاهيم.

سادساً : النظرة التحليلية المتعمقة تفصح عن إشكاليات

قد لا يكون ثمة سبيل إلى الخروج منها إلا بتعديلات جذرية في الشكل والمهام وحتى في العضوية، تفرض حتما تغييرًا بما يحافظ على جوهر الهدف الحقيقي من إنشاء قوة عربية مشتركة وهو مفهوم الدفاع المشترك.

هذا الحلف الاستراتيجي الشرق أوسطي باصطلاحه الأمريكي أثار ردود فعل متباينة ما بين التشكيك المطلق وبين اليقين القاطع وقد كان ذلك في مايو 2017 في أعقاب القمة العربية الإسلامية في الرياض بل والإعلان أن الإجراءات سوف تستكمل بنهاية 2018 ثم يدشن في كامب ديفيد بواشنطن في بداية 2019 ورأت أكثر الدول العربية حماسًا في الرياض أن تلك الخطوة سوف تكون تحولاً تاريخيًا في العلاقات مع الولايات المتحدة وأن مسرح الحلف الجديد سوف يغطي الخليج العربي والبحر الأحمر والبحر المتوسط والممرات البحرية الرئيسية الثلاثة مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومهامه سوف تكون مراقبة حركة الملاحة في تلك المناطق والتصدي لعمليات تهريب الأسلحة غير المشروعة ومراقبة تحركات إيران العسكرية على الحدود العراقية والسورية والإيرانية وميلشياتها الموالية لها ودعمها للجماعات الإرهابية .

أما الجماعات المعارضة لتأسيس مثل هذا الحلف فوصفته بأنه دعوة للحرب والدليل هو استبعاد إيران وتركيا، وأن الهدف منه زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية، وخدمة الأهداف الأمريكية الداعمة لسياسات الإسرائيليين التوسعية والاستيطانية وأن الهدف من الحلف هو محاربة إيران دون تطبيق أي إجراء ضد إسرائيل والاكتفاء برفع شعارات محاربة الإرهاب وعمومًا فقد شنت كل من إيران وتركيا هجومًا سياسيًا ودعائيًا ضاريًا على الاقتراح وعلى الدول العربية المؤيدة له

أما المنظور الأمريكي فيرى أن هذا الحلف الاستراتيجي الشرق أوسطي سوف يكون دعامة ضد العدوان والإرهاب والتطرف الإيراني

ـ لكن إشكاليات الحلف كما يرى الكثير من المحللين فهي عديدة منها مثلاً علاقات مصر والأردن ( وهما دولتان مشاركتان فيه وعلى علاقة سلام مع إسرائيل، لكنهما لا يحتمل أن تضحي بالقضية الفلسطينية من أجل علاقة استراتيجية بإسرائيل من خلال الحلف الشرق أوسطي وقد تنزلق إلى صدام حتمي معها برغم اتفاقيات السلام، لكن القادة والخبراء الإسرائيليين أنفسهم يرون أن الهدف الحقيقي والمباشر للحلف المقترح ليس هو مجرد ردع إيران، بل هو حماية وطمأنة القادة العرب الخليجيين لمخاوفهم العميقة من النفوذ والتوسع الإيراني لاسيما بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي ثم اتجاهه التدريجي للانسحاب مثل إدارة أوباما من الشرق الأوسط في ظل سياسة أمريكا أولا.

سابعاً

1ـ السياسات العربية والخليجية والمصرية

لم تكتف بتقييم تلك التطورات السلبية التي قد تؤثر على الأمن الجماعي للدول العربية، وأخذت السياسات العربية الخليجية والمصرية في السنوات الأخيرة تنحى اتجاهًا إيجابيًا صاعدًا في اتجاه التنسيق العسكري والسياسي (المصري، السعودي، الإمارات، البحرين في الأساس) الذي اتخذ شكل تنظيم المناورات العسكرية  العربية المشتركة (البحرية ـ البرية ـ والجوية) بين تلك الدول العربية الأربعة وبصفة خاصة من مناورات في منطقة الخليج والبحر الأحمر (مصر ـ السعودية تبوك 4) مع الأسطول البحري المصري الجنوبي ومع قوات البحرين، وقوات الإمارات، ومناورات العقبة 4 مع الأردن وهكذا

بل إن تلك الدول العربية انتقلت إلى مرحلة أكثر تقدمًا وطموحًا في مناورات عربية جرت في مصر لأول مرة تحت مسمى ذي دلالة هامة هو درع العرب ـ شاركت فيه (5) دول عربية (مصر ـ السعودية ـ البحرين ـ الإمارات ـ الأردن) ومراقبة المغرب ولبنان في كبرى قواعد الشرق الأوسط، وهي قاعدة محمد نجيب العسكرية في مدينة العلمين الجديدة في الصحراء الغربية لمصر 3 ـ 16 أكتوبر 2018.

2ـ المنظور الجيوستراتيجي الأوسع للمناورات العسكرية (درع العرب 1)

أفق استراتيجي يتمثل في تطبيق عملي لعقيدة الدفاع المتبادل أو المشترك في ضوء مفاهيم ونصوص ميثاق الجامعة العربية واتفاق الدفاع المشترك وميثاق الأمم المتحدة

أفق سياسي يستند إلى توافق عربي واسع في مواجهة تهديدات خارجية أو إرهاب إقليمي، وتخريب وتطرف داخلي، وحروب أهلية

ثم أفق عسكري تمثل في المناورات الأخيرة لدرع العرب باستخدام وتجربة أحدث نظم الدفاع والتكنولوجيا الحديثة بواسطة مجموعة صغيرة من الدول العربية تمثل 30% تقريبًا من الدول العربية عددًا وسكانًا ثم تجارب هامة للتشغيل المتبادل للعديد من نظم الدفاع العسكرية المختلفة شرقية وغربية المصنع.

أما المنظور أو الأهداف التكتيكية من التدريب على مناورات القتال فهي:

  • مدخلات نظرية أو مفاهيمية تشمل توسيع وتعميق خبرات القادة في التخطيط العسكري والميداني.
  • توحيد المفاهيم والعقائد المطبقة في عمليات ومعارك الأسلحة المشتركة (بحرية، وبرية، وجوية) ودفاع جوي وخاصة مجتمعة أو منفردة.
  • مدخلات ميدانية قتالية ، تحسين المهارات وأساليب القتال والتحرك والانتشار وتكتيكات الإخفاء والتمويه والهجوم على الأهداف المعادية والتدريب على التصويب الدقيق والضرب بالذخائر الحية، بالنسبة لقوات المظلات التعامل مع المواقف الطارئة عبر الإسقاط خلف مواقع العدو من ارتفاعات شاهقة، تنفيذ مهام النقل والتحليق في تشكيلات كبيرة.

أما القوات البرية والخاصة، التدريب على أنماط الإغارة بطريقة زيادة المحاكاة على حرب المدن، ومواقع الإرهابيين والاشتباكات المباشرة، وحرب الأسلحة المشتركة.

وفيما يتصل بالقوات البحرية تنفيذ عمليات هجومية وتعرضية وعمليات صعود وتفتيش واحتجاز للسفن المشتبه فيها.

أما القوات الجوية التدريب على الطائرات متعددة المهام والطلعات الهجومية والدفاعية بالتعاون من قوات الدفاع الجوي.

أما قوات الدفاع الجوي فيتعين فيها تطبيق تجارب على التشغيل المتبادل المشترك لمختلف الأنظمة الشرقية والعربية مختلفة المصادر والتصنيع ، وعمومًا فقد جرت المناورات العربية المشتركة درع العرب بنجاح كبير في إطار تكتيكي وعملياتي ويحكمها منظور جيواستراتيجى واحد يجمع بين عدة دول عربية رئيسية مشاركة تسعى للارتقاء بمستوى التعاون الاستراتيجي بين الدول العربية الشقيقة في تعزيز قدراتها وتوثيق علاقاتها بين رفاق السلاح من القادة والمؤسسات الدفاعية والتدريب والتشغيل المختلفة بين نظم التسلح.

ثامناً التقديرات

  1. المناورات العربية المشتركة (درع العرب) هي أول إرهاصات عربية قوية بأن قوة دفاع عربية مشتركة ربما ترى النور، وفي إطار عربي خالص، وإن لم يكن ذلك يعني تجاهل لاستمرار إشكاليات وتساؤلات ـ بلا إجابة حتى الآن
  2. هذه المناورات العربية وإن كانت تخدم في الأساس المصالح الاستراتيجية والأمنية العربية فهي بلا شك تخدم ـ لو بشكل غير مباشر المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بالتصدي لخطر التوسع والتدخل والنفوذ الإيراني في منطقة الخليج من الشرق الأوسط، ثم مكافحة التطرف والإرهاب وحروب إيران بالوكالة، مثلما تخفف أعباء الإدارة الأمريكية في تحمل مسئوليات الدفاع فيما يسمي بسياسة نقل المسئوليات

ويلاحظ بصفة أساسية أن مناورة درع العرب (1) لم يكن لها ولم تشر إلى صلة تنظيمية أو مؤسسية بالناتو بل أطلق عليها مجازًا (الناتو العربي) وما كان قد أطلق عليه وبشكل آخر مصطلح الحلف الاستراتيجي الشرق أوسطي بحسب الإدارة الأمريكية أو (اتفاق الناتو في المادة (5)) وهي مثيلة للمادة (2) والمادة (6) من اتفاق الدفاع المشترك السابقة عليها وكلاهما مستمدة من روح ونصوص ميثاق الأمم المتحدة في المادة (51) في الفصل السابع عن حق الدفاع عن النفس فرديًا أو جماعيًا”

  • كما أن مبادرة درع العرب 1 هي مبادرة عربية خالصة، لكن لا تعني مطلقًا المصادرة على علاقات ثنائية بين بعض الدول العربية ـ أي بين مصر والولايات المتحدة ومناورات “حماة الصداقة” مع روسيا لكن الخصم الحقيقي في مدركات الخطر العربية يظل هي إيران لسياستها التدخلية التوسعية
  • وانطلاقًا من هذا المنظور المتوازن فإن المناورات العسكرية العربية المشتركة “درع العرب (1) ” تمثل نقلة نوعية وخطوة جادة في طريق إنشاء قوة عربية مشتركة للدفاع والردع ولسلامة وحدة الأراضي العربية.

تاسعاً: وبرغم هذا التقييم الإيجابي في مجموعه لدلالات المناورات المشتركة درع العرب(1)

فإنه يتعين بالطبع حل إشكاليات الفوارق في النظم العسكرية الدفاعية ومدركات التهديد والنظم التسليحية الشرقية والغربية بين بعض دول الخليج، لكن الأهم من تلك الفوارق العسكرية  وقد تكون هي الأيسر في المعالجة، ثمة تفاوتات في الرؤى والمواقف السياسية من بعض الدول الخليجية والعربية.

لكن الإشكالية الأكثر استعصاء هي الأزمة المستمرة بين دول الخليج الثلاثة السعودية والإمارات والبحرين ثم مصر مع قطر من ناحية ثانية، وهو ما قد يؤخر إعلان مبادرة إنشاء قوة عربية مشتركة أو حلف عربي خالص برغم جرأة وإقدام القادة العرب في السعودية ومصر والإمارات والبحرين والأردن للمضي قدمًا في هذا الطريق والبدء بمناورات درع العرب1 في مصر.

أما التساؤلات التي سوف تظل تطرح حول مستقبل تلك المناورات العربية المشتركة، هل سوف تتحول حقًا إلى قوة عربية مشتركة دائمة أو إلى هيكل أمني دفاعي إقليمي وأن تتجاوز القضايا الخلافية بين الدول العربية وتركز على التهديدات والأخطار الوجودية على أمن واستقرار وسيادة ووحدة أراضي الدول العربية ودرء أخطار العدوان والتدخل والهدم من الداخل، وربما تظل التساؤلات بلا إجابة فترة من الوقت.

عاشراً

مجمل القول إنه ربما يكون في طرح مقاربة أقل طموحًا وأقرب إلى الواقعية السياسية وملاءمة للعلاقات الدولية والإقليمية الراهنة خاصة موازين القوى السائدة الآن بين الحلفاء العرب وخصومهم (تركيا، إيران، إسرائيل) والواقع المضطرب والفوضوي في الشرق الأوسط، لعل في ذلك ما يكون مخرجًا لاستجابة واضحة لما قد يفي بالحاجات الراهنة للدول العربية وإن لم يكن كل تطلعاتهم وآمالهم تحسبًا للتفاوت الراهن وبعض الخلافات التي قد تطول أو قد تزول، والطريق الأقصر هو المزيد من التنسيق والتشاور والتعاون والمزيد من مناورات درع العرب 1،2،3 وليست مناورات درع العرب1 إلا أول البشائر وهي فرصة يجب ألا تفلت من أيدينا لكي نستفيد من تجارب ناجحة حتى في (الناتو) والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون وغيرها.

v   v   v

وقد جاء الاجتماع المرتقب الذي دعت إليه الولايات المتحدة في وارسو تحت عنوان “السلام والأمن في الشرق الأوسط” ليوضح إعادة توجه بوصلة السياسة الأمريكية ليكون محورها وبؤرة التركيز فيها هي التصدي للخطر الإيراني في الشرق الأوسط والخليج العربي والدول العربية والأوروبية. وقد شهد المؤتمر زخما في الحضور، وخاصة بالنسبة للوفد الأمريكي الذي كان على مستوى نائب الرئيس، والوفد الإسرائيلي الذي ترأسه رئيس الوزراء نتنياهو. وقد لفت الوزير بومبيو النظر إلى اجتماع الوزراء العرب جنبا إلى جنب في قاعة المؤتمر مع رئيس الوفد الإسرائيلي لمواجهة الخطر المشترك الذي يهدد الجميع. ولوحظ أن القضية الفلسطينية لم يكن لها في المؤتمر مكان إلا عرضا. حيث اقتصرت نتائجه على موضوعات الانتشار النووي والصاروخي في إيران وخطورتها، وتصعيد الصراعات في المنطقة ومواجهة الإرهاب وإحالة تلك الموضوعات إلى مجموعات عمل وإنشاء منتدى دولي ومجموعة دراسة استراتيجية للأوضاع في الشرق الأوسط، وبذلك يضع مؤتمر وارسو جدول أعمال حقيقي لطبيعة الرؤية الاستراتيجية الأمريكية في المرحلة المقبلة، ودوافعها ومراميها، أما ما كان يتحدث عنه “بومبيو” في منتصف عام 2018 وما كان يخطط له في مطلع عام 2019 من عقد مؤتمر تحت مسمى “تحالف استراتيجي للشرق الأوسط” MESA نظامًا استشعر صانع السياسة الخارجية الأمريكية أن الموقف ليس مواتيًا أو لم ينضج بعد لاتخاذ خطوات عملية لوضع هذه المبادرة فكان أن أرجأها كما يبدو دون أجل مسمى.

ومع ذلك فإن الموقف العربي قد تجاوز هذه المبادرة الأمريكية بإنشاء تحالف استراتيجي شرق أوسطي عبر المناورات العربية العسكرية المشتركة المتتالية، في عامي 2018 و2019، واقترب كثيرًا من تحقيق الكثير لما كان منصوصًا عليه في اتفاقية الدفاع المشترك عام 1951، وينبغي أن تترجم الآمال المعقودة على ما تحقق في هذه المناورات من أهداف الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار والدفاع المشروع الفردي والجماعي عن الدول العربية الشقيقة ضد الأخطار من كل مصدر.

اظهر المزيد

د. رضا شحاته

مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى