2019التوتر الأمريكي الإيرانيالعدد 179

التوتر الأمريكي الإيراني

تمهيد:

توتر مزمن ومتراكم بين البلدين منذ أن قامت دولة الخميني في إيران عام 1979 رافعة شعار تصدير ما أسمته بالثورة الإسلامية، ذلك النظام الجمهوري شكلا  في ظل ولاية الفقيه موضوعا الذي يسيطر بصورة فعلية على مفاصل الدولة وتوجهاتها في الداخل والخارج، وتزايد التدخلات الإيرانية في الشئون الداخلية للدول العربية، وبخاصة تأليب معتنقي المذهب الشيعي على حكوماتهم وجعلهم بكل الوسائل تابعين لإيران عقائديا وسياسيا، وتوسعها في التفجيرات وتدبير المؤامرات ضد النظم المجاورة.

ولم يكن ممكنا التغاضي عن هذا التحول الهائل  في تلك المنطقة الحيوية والتي تمس ما تعتبره الولايات المتحدة وحلفاؤها صميم أمنها القومي، فيما يلي:

  • ضمان استمرار تدفق البترول ( والغاز حاليا)   .ويقدر ما يمر من مضيق هرمز من بترول بحوالي خمس بترول العالم، وتملك إيران ذاتها رابع احتياطي البترول العالمي، ولقد هددت إيران أكثر من مرة خاصة إبان حربها مع العراق بتلغيم وإغلاق هذا الممر الهام، وتخصص الولايات المتحدة الأسطول الخامس من قاعدته في البحرين لمتابعة الوضع في الخليج.
  • حرية الملاحة في الممرات البحرية وتحرك الناقلات شرقا أو غربا في المنطقة،  وتجنب أية مخاطر يمكن أن تغلق طرق وصولها إلى مرافئها في أوروبا أو آسيا.  
  • الحفاظ على أمن إسرائيل والوقوف ضد أية  تهديدات لها من قريب أو بعيد، والتي التزمت بها كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، في الوقت الذي تعلن فيه إيران رفضها للوجود الإسرائيلي ذاته والتزامها بأرض فلسطين التاريخية.

ولعل أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران هي أول ما اعترض العلاقات بين البلدين، عندما اقتحمت مجموعة من الطلاب السفارة الأمريكية دعما للثورة الإسلامية واحتجزوا 52 أمريكيا  لمدة 444 يوما من 4 نوفمبر 1979 حتى 20 يناير 1981 والتي انتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وحاولت الولايات المتحدة إنقاذهم بعملية ( مخلب النسر ) العسكرية الفاشلة في أبريل 1980 خسرت فيها طائرتين أمريكيتين وقتل ثمانية جنود. وانتهت الأزمة بالتوقيع على اتفاقية الجزائر في يناير1981، وأفرج عن الرهائن في اليوم التالي، ولم يمنع هذا من بداية فرض عقوبات اقتصادية أمريكية على إيران.

وجدير بالإشارة تلك الحرب الضروس التي نشبت بين العراق وإيران على مدى ثمان سنوات 80-1988 سقط خلالها مئات الآلاف من القتلى والجرحى وأنفقت عليها مئات المليارات من الدولارات التي أغرقت العراق في الديون وأنهكته اقتصاديا، ولكنه تباهى بانتصاره بعد أن صرح مرشد الثورة الخميني بأنه تجرع السم عند موافقته على وقف إطلاق النار،  كانت الولايات المتحدة في صميم الحرب دعما وتخطيطا وتشجيعا. ولم يدرك أحد من مخططي الحرب أن إيران الفارسية دولة عميقة يمكن أن تستمر بعد الصدمة الأولى، كما يمكن لها أن تتحمل أي قدر من الخسائر، وأن النظام فيها قادر على الصمود ويسيطر على كل مفاصل الدولة.

ومن الطبيعي أن مشاعر العداء الواضحة بين البلدين منذ البداية الناجمة عن تنافر الأضداد تتيح استمرار حدوث أزمات لا تنقطع بينهما، أبرزها تدمير لغم إيراني لفرقاطة أمريكية في خليج هرمز، أعقبها في أبريل 1988 إغراق 3 سفن ومنصتي مراقبة إيرانية، وفي يوليو من نفس العام أسقطت سفينة حربية أمريكية طائرة إيرانية مما أدى إلى مقتل 290 راكبا، وفي ديسمبر 2011 أعلنت القوات  الإيرانية أنها نجحت في إسقاط طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار، ورفضت إعادة حطامها وادعت أنهم استفادوا من إنتاجها بالهندسة العكسية. وفي يناير 2016 وقبل أيام من نفاذ الاتفاق النووي أسرت البحرية الإيرانية 10 بحارة أمريكيين في قوارب دخلت المياه الإقليمية الإيرانية، وتم إطلاق سراحهم في اليوم التالي بعد التحقق من أنه خطأ غير مقصود من البحرية الأمريكية.

الاتفاقية النووية:

وجاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (خطة العمل المشتركة الشاملة) في مايو 2018 لكي تضاعف هذا التوتر، هذا الاتفاق الذي شارك في التفاوض حوله مجموعة الدول الدائمة الخمس بمجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، وكان الاتحاد الأوروبي على مقربة منه، والذي تطلب مفاوضات شاقة  لعدة سنوات حتى إبرامه في 2 أبريل 2015، وصدر بشأنه قرار مجلس الأمن رقم 2231 في 20 يوليو 2015، وقامت إدارة أوباما  بدور رئيسي للوصول إليه، واعتبرته إنجازا  واتفاقا تاريخيا. نصت أهم بنوده على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي ونسبة تخصيب اليورانيوم  لمدة عشر سنوات لحرمان إيران من إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، مع قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالرقابة على البرنامج النووي الإيراني ومفاعلاتها، مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران لمدة عشر سنوات، واسترداد إيران لأموالها المجمدة في المصارف الأمريكية والتي تقدر بنحو ما بين 120 إلى 150 مليار دولار .

ومن بين الأسباب التي سيقت لتبرير هذا الانسحاب ما يلي:

  • الرغبة الأمريكية في إعادة التفاوض حول الاتفاق من جديد لتحسين شروطه وإحكامه لتلافي ما شابه من عيوب، في الوقت الذي ترفض إيران التفاوض  تحت التهديد وضغوط العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها من جانب واحد.
  • الضغط الإسرائيلي المتواصل على الإدارة الأمريكية وتقديم أدلة على عدم حسن النوايا الإيرانية بخصوص البرنامج النووي.
  • التزام ترامب بأمن حلفائه الخليجيين الذين يرون أن إيران استثمرت الاتفاق لمواصلة التوسع والتمدد الاستراتيجي في الإقليم،  ومحاولة تشديد هيمنتها على سياسات الدول ذات المكون الشيعي مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان.
  • رفض إيران تلبية مطالب الرئيس الأمريكي حول مخاوفه من برنامج التجارب الصاروخية الباليستية.
  • فشل جهود الوسطاء الأوروبيين في التوصل إلى صيغة تفاهم ترضي الطرفين الإيراني والأمريكي.

ويغلب الظن عند بعض المراقبين أن قرار الرئيس ترمب بالانسحاب من الاتفاق لا يزيد عن اتخاذ القرار المخالف للمواقف التي اتخذتها الإدارة الديموقراطية السابقة وتخطئتها، دون دراسة العواقب التي يمكن أن تنجم عن ذلك، وما يجب اتخاذه بشأنها إذا ما حدثت، وأن هذا من بين الأسباب التي دفعت بعض معاونيه إلى الاستقالة من مناصبهم، وبروز وجوه جديدة من الصقور على مسرح الأحداث، وبخاصة جون بولتون مستشار الأمن القومي وهو من المحافظين الجدد الذي تولى منصبه في أبريل 2018.

  وصحب توقيع ترامب قرار الانسحاب بطريقته الدرامية تصاعدا إعلاميا وإشارات تنبئ بأن صداما مروعا بين الولايات المتحدة وإيران قد أصبح على الطريق، وأخذت بعض العواصم تدق طبول الحرب بقوة وخاصة إسرائيل وبعض دول الخليج التي تعتقد أن الحل الأمثل هو توجيه ضربة عسكرية لإيران تقضي على آمالها في امتلاك السلاح النووي وتدخلاتها الخارجية التي جعلت أحد مسئولي الحرس الثوري الإيراني يتباهى بهيمنتهم على أربعة عواصم عربية. وتحدثت صحيفة النيويورك تايمز عن اجتماع في البيت الأبيض في أعقاب إقدام إيران في يونيو الماضي على إسقاط الطائرة الأمريكية بدون طيار، حضره قادة الأمن القومي ورجال الكونجرس لمتابعة الضربة العسكرية الوشيكة على إيران .والتي ألغيت في اللحظات الأخيرة.

حرب الناقلات:

لم تكن حرب الناقلات سوى عارض جانبي شديد الخطورة كأحد نتائج التوتر الحاد في المنطقة الناجم عن المواجهات الدموية في اليمن والانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.

فحرية الملاحة أمر ضروري لاستقرار الاقتصاد العالمي، وثبت أن أسلوب احتجاز الناقلات أو تهديدها  إنما هو سلاح ذو حدين لا يصيب بأضراره الأطراف المعنية المباشرة، إنما يلحق الضرر بالأسرة الدولية ذاتها. بدأت في المرحلة الراهنة  بحادثة استهداف الناقلات الأربع ( نرويجية /سعودية / إماراتية ) في ميناء الفجيرة الإماراتي  في مايو الماضي، وسارعت  الولايات المتحدة بتوجيه أصابع الاتهام لإيران بارتكابه، دون أن يثبت هذا بصورة قاطعة، وتشير بعض الدوائر إلى أن جهات أخرى يهمها إشعال الوضع في المنطقة كانت من ورائه. وفي شهر يونيو تعرضت ناقلتا نفط نرويجية ويابانية للهجوم بالقرب من مضيق هرمز أثناء عبورهما لخليج عمان، وفي يوليو احتجزت البحرية البريطانية الناقلة الإيرانية ” جريس 1″  في مضيق جبل طارق بدعوى الاشتباه في أنها تنقل نفطا إيرانيا إلى سوريا، وكشفت إسبانيا عن طلب أمريكي وراء عملية الاحتجاز، قام الحرس الثوري الإيراني في أعقابه باحتجاز الناقلة البريطانية ” ستينا ابيرو “بدعوى ارتكابها مخالفات ملاحية واصطدامها بمركب صيد. 

 ووضح مؤخرا أن التوجه العام لدى جميع الأطراف هو التهدئة وإيقاف تصعيد هذه المواجهة حول الناقلات التي تضر بالجميع .فقد أصدرت المحكمة في جبل طارق حكما مشروطا بالإفراج عن السفينة بتقديم إيران تعهدا بعدم توجه  الناقلة إلى مرفئ تخضع للعقوبات الأوروبية والمقصود به سوريا، بما اعتبرته إيران انتصارا لها نافية أنها قدمت أية تعهدات .وتوجهت الناقلة إلى اليونان. ويتوقع أن تفرج إيران من جانبها عن الناقلة البريطانية.

تأثيرات هذا التوتر خليجيا:

دول الخليج هي الطرف الأكثر تضررا من جراء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فهي ليست في حاجة إلى مزيد من الضغوط الناجمة عن هذه الخطوة، وبخاصة إعلان  ترامب  أن تتحمل دول الخليج تكاليف حمايتها ونفقات التحالف التي تحاول تشكيله لحماية سلامة الناقلات في مضيق هرمز متحججا بأن بلاده اكتفت ذاتيا من النفط وأنه لا مصلحة لها في تحمل أي نفقات حراسة أو حماية في الخليج. متجاهلا أن الوجود الأمريكي في الخليج جاء لأسباب استراتيجية أخرى لا يمكن له أن يتخلى عنها، على رأسها دعم وحماية إسرائيل، وكذلك الأهداف  ذات الصلة بوضعها كدولة كبرى يهمها الحفاظ على حرية الملاحة في الممرات الدولية ووجودها ذاته في هذه البقعة الهامة.

إن مجلس التعاون الخليجي قد تم إنشاؤه أساسا عام 1981 لمواجهة مخاطر الثورة الإيرانية، والتي تزايدت بالفعل  لتمدد إيران وتغولها في عدد من الدول العربية، إلا أنه قد أصبح من الواضح أن المجلس لم يعد كتلة واحدة، وإنما يتمايز داخله أكثر من توجه، من بينها عمان والكويت التي تدعو إلى الحوار وتبدي استعدادها للوساطة، والسعودية والإمارات والبحرين والتي كانت ترى أن إيران لن ترعوي إلا بوضعها تحت أكبر قدر من الضغوط ومن بينها العقوبات والحرب، وإن بدت لهجة الدول الثلاث في التغير في الآونة الأخيرة مشيرة إلى أن الإعلام كان سببا في وصفها بالتشدد، وتبقى قطر مغردة خارج السرب تلعب على كل الحبال.

وأعلنت السعودية في 20 يوليو موافقتها على استقبال قوات أمريكية على أراضيها للمرة الأولى منذ 16 عاما، فهي تركن إلى شبكة الأمان الأمريكية، لمواجهة التهديدات الإيرانية المتزايدة ضد دول الخليج  , والواقع أن دول الخليج الأخرى لا تخلو من القواعد الأمريكية.

ويثير الانتباه خلال شهر يوليو  الماضي زيارة وفد خفر السواحل الإماراتي لإيران، وزيارة وزير الخارجية الإيراني للكويت التي تنم عن رغبة في تهدئة هذا الاحتقان .

امتداداته الإقليمية:

لم تكن إسرائيل سعيدة في الأساس بالاتفاق النووي، فهو كان يؤجل أو يعرقل امتلاك إيران للسلاح النووي، ولكنه لا يمنع توصلها للمعرفة والقدرات التي تؤهلها لذلك. وإسرائيل هي أكثر الأطراف تحمسا لشن حرب على إيران، متناسية  امتلاكها بالفعل لمئات الرؤوس الذرية ووسائل إيصالها، وأن الدول العربية كانت قد علقت موافقتها  على المد اللانهائي لمعاهدة منع الانتشار النووي في مؤتمر المراجعة للمعاهدة عام 1995 إلا بعد أن تعهدت الأطراف الأخرى بعقد مؤتمر يخصص لاستصدار قرار حول إخلاء منطقة الشرق الأوسط من هذا السلاح، وعبثا تحاول الدول العربية التوصل لموعد لانعقاده وقد أصبح مؤتمر المراجعة 2020 على الأبواب. والمعروف أن الولايات المتحدة وحلفاءها يقومون بالدور الرئيسي في العرقلة والتسويف.

وجدير بالملاحظة هنا أن إيران ومجموعة الدول الأطراف في الاتفاقية النووية لم تعنَ بالتشاور مع الدول العربية أثناء المفاوضات التي جرت مع إيران،  لمراعاة تأثيره على الأمن القومي العربي. ولم يتضمن الاتفاق أية إشارة إلى إنشاء منطقة  خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.  

وقعت تركيا وإيران خطة لتعزيز المشاورات والتعاون بينهما في يونيو 2019

تزامنت مع التوتر الحالي بين الولايات المتحدة وتركيا على خلفية حصول  الأخيرة على المنظومة الدفاعية الروسية ” اس 400″، وإلغاء مشاركة تركيا في إنتاج الطائرة الأمريكية المتطورة ” اف 35″،  فضلا عن اختلافهما حول مدى التدخل التركي في شمال سوريا.

ويرى البعض أن التقارب التركي الإيراني قد وضح منذ زيارة أردوجان لطهران عام 2014 وتصريحه بأنه يعتبر تركيا بيته الثاني، الذي تجاوز به حدود المجاملة. وجاءت بوجه خاص بعد السقوط المدوي لحلفائه من جماعة الإخوان في مصر.

والمعتقد أن القوتين الأكبر في المنطقة يريان ضرورة التنسيق بينهما تجنبا للتداخل بين سعي كل منهما  لبناء إمبراطوريته الخاصة. إلا  أنه يجدر أن نضع في اعتبارنا أن تركيا في نهاية الأمر عضو بحلف الأطلنطي وجزء من التحالف الغربي الذي يصعب ابتعادها عن مخططاته.

انعكاساته الدولية:

كان من الواضح تمسك الدول الخمس  بالاتفاقية وعدم رضاها عن الانسحاب الأمريكي منها، وبخاصة روسيا والصين اللذين أكدا أن أية خلافات بشأنها يجب أن تحل عبر  التفاوض والحوار، وضرورة توقف الولايات المتحدة عن ممارساتها في توجيه الاتهامات وفرض العقوبات. وتفتقد هذه الدول الحماس للتجاوب مع المسعى الأمريكي لإنشاء تحالف دولي لتأمين الملاحة في مضيق هرمز باستثناء بريطانيا القريبة من الولايات المتحدة في أغلب خطواتها.               

وأعلنت روسيا يوم 23 يوليو الماضي عن مبادرة من خمس نقاط عن الأمن الجماعي في الخليج، تكشف الرغبة الروسية في أن تلعب دورا أكبر في المنطقة،  تتضمن تأكيد دول المنطقة والأطراف الخارجية التزاماتها الدولية وبخاصة التخلي عن استخدام القوة في حل المسائل الخلافية واحترام سيادة دول المنطقة وسلامة أراضيها والالتزام بمبدأ التفاوض لتسوية الخلافات، والالتزام المتبادل بالشفافية في المجال العسكري، وتوقيع اتفاقية للتحكم في انتشار السلاح التقليدي، وتحويل الخليج إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وإبرام اتفاقية لمكافحة الإرهاب الدولي والاتجار غير المشروع في الأسلحة. ولم تحظ هذه المبادرة بتأييد ملموس حتى الآن. وتصفها بعض الدوائر الخليجية بأنها غير واقعية حيث يصعب تحققها في المرحلة الحالية.

أيدت الصين المبادرة الروسية، وطالبت جميع الأطراف بضبط النفس، وطالبت واشنطن بالتوقف عن الضغط على إيران، ووصفت إجراءاتها بالأحادية وتتنافى مع القانون الدولي، وتعتبر أي عمل عسكري ضد إيران عملا غير مشروع سيكون له نتائج وخيمة، وصرح وزير الخارجية الصيني أن بلاده تدعم إيران في دفاعها عن حقوقها ومصالحها، وهو ما عبر عنه بالقطع الرئيس الصيني لنظيره الأمريكي خلال لقائهما في قمة شنغهاى يونيو الماضي. وغني عن القول الإشارة إلى العلاقات الوثيقة والمتطورة بين الصين وإيران في مجال النفط وتأمين الاستثمارات الصينية الضخمة، والمكانة التي تشغلها إيران في مشروع الحزام والطريق.

أبدت كل من فرنسا واليابان على أعلى المستويات استعداد كل منها للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي رفضها ترامب بغلظة.

 تقويم الموقف:

وينحو تقديرنا للوضع في الوقت الحاضر إلى استبعاد نشوب حرب شاملة مع إيران. لا يمنع هذا من وقوع مناوشات جزئية هنا وهناك، والمرجح أن يكون الرد الإيراني في أغلبه محدودا وموجها في الأغلب إلى دول الخليج تجنبا للمزيد من التصعيد مع الجانب الأمريكي. وتتلخص محددات الموقف الأمريكي فيما يلي:

  • تجنب ترمب استخدام وسيلة الحرب بوجه عام في علاقاته الدولية مفضلا التهديد بالسيف دون  استعماله، وتصعيد أخطار المواجهة إلى حافة الهاوية والوقوف عندها للدعوة إلى التفاوض. فهو لا يحبذ بأي حال أن يكون سببا في خسائر أمريكية بشرية أو مادية ‘ خاصة وأن انتخابات التجديد لفترة ثانية على الأبواب .
  • أنه يعوزه القبول الدولي لأي خطوة في هذا الاتجاه، بل لم يشاركه بقية أطراف الاتفاق والاتحاد الأوروبي موقفه بالانسحاب منه.  ويشغلها بالفعل  العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، وتتماشى معها حفاظا على علاقاتها مع الولايات المتحدة، مع محاولة  إيجاد سبل بديلة لتجنبها .
  • أن إيران مدججة بالسلاح  واستطاعت تطوير إمكانياتها العسكرية المدعومة بقدرات مالية جاء بعضها نتيجة للاتفاق ذاته. ويوضع في الاعتبار أيضا أذرعها الممتدة في المنطقة العربية وبخاصة حزب الله في لبنان وميليشيات الحرس الثوري في سوريا والحشد الشعبي في العراق. وقيل إنها يمكن أن تمطر إسرائيل بعدة آلاف من الصواريخ في الدقيقة الأولى من الحرب .كما أن لدى إيران اكتفاء ذاتي في مجال تكنولوجيا الصواريخ ساعدتها على إنتاج عدة عائلات منها في البر والبحر ( شهاب / زلزال/ الفاتح / ذو الفقار / النازعات …).
  • توقع ارتفاع أسعار البترول بنشوب الحرب، وهو أمر شديد الخطورة على الاقتصاديات الغربية وغيرها في ظل الأزمة الاقتصادية الدولية. وتقدر الخسائر التي يمكن أن تنجم عن المواجهة العسكرية ب  5 تريليون دولار.  

 ويستبعد المراقبون  قيام إسرائيل وحدها بالأمر دون الدعم الأمريكي الكامل لهذه الخطوة، والمعتقد أن الرئيس الأمريكي يفضل في هذه المرحلة تشديد ضغوطه الاقتصادية وحربه النفسية على إيران لإرغامها على التفاوض من جديد لتحسين شروط الاتفاق بما يمكن أن تعتبره الإدارة الحالية انتصارا لها. غير أن إيران قد أوضحت في ردودها أنها لن تتفاوض تحت الضغوط التي تتنافى مع قواعد القانون الدولي، وأنها ضغوط  أحادية وليست صادرة عن المنظمة الدولية كالسابق، فضلا عن إيران قد اعتادت أن تتعايش مع مثل هذه العقوبات وبرعت في إيجاد السبل البديلة والكفيلة بتخفيف أضرارها.

الأوضاع الحالية هي الأنسب للسياسات الأمريكية، باستمرار تشديد الضغوط على إيران، لتقليص تمددها في المنطقة، واستغلال إيران كفزاعة لابتزاز دول الخليج، آملة أن ترغم إيران مع الوقت للقبول بالتفاوض. ومن جانب آخر تلوح إيران بالتدرج في العودة إلى أنشطتها النووية لدفع الأطراف الأخرى إلى اتخاذ مواقف أكثر إيجابية مناهضة للموقف الأمريكي. وسياسة عض الأصبع التي يمارسها الطرفان إما أن تنتهي برضوخ أحد الأطراف أو أن تنتهي إلى فوضى تتضرر كل المنطقة من عواقبها.

تقوم كل من سلطنة عمان والكويت بجهود للتهدئة، وتشير بعض الدوائر أن مصر يمكن لها أن تلعب دورا، بحكم حرصها على أمن الخليج وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل ووضع إيران في حجمها الطبيعي ووقف تدخلها في الشئون الداخلية للآخرين.    

اظهر المزيد

سيد أبو زيد

كـاتب وبـاحث سيـاسي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى