2023العدد 193ملف دولى

القمة الأمريكية الإفريقية الدلالة والآثار والآفاق

انعقدت القمة الأمريكية الإفريقية بواشنطن في الفترة من (13 إلى 15) ديسمبر 2022، وقد شارك فيها خمسون من قادة الدول الإفريقية الأعضاء في الاتحاد الإفريقي والبالغ عددهم خمسة وخمسين دولة، ولم يوجه الرئيس الأمريكي دعوات إلى قادة خمس دول هي (بوركينا فاسو، غينيا، السودان، مالي ،أريتريا)؛لاعتبارات سياسية، بمعيار محوره  الأساسي، استبعاد الدول التي علق الاتحاد الإفريقي عضويتها بالاتحاد .

 تأسست دعوة الرئيس الأمريكي لتلك القمة على  رؤيته بأن إفريقيا ستشكل المستقبل ليس فقط  للشعوب الإفريقية بل وللعالم أجمع ، مشيرًا إلى أن نجاح إفريقيا نجاح للعالم . بل أكد الرئيس الأمريكي على أن التعاون بين القادة الأفارقة وقيادات المجتمع المدني ورجال الأعمال والشباب والمرأة أمر جوهري لإطلاق طاقات وإمكانات العقد الحالي

   أولًا : خلفيـــة تاريخيـــــة

القمة الأمريكية الإفريقية هي الثانية في إطار العلاقات بين الجانبين على هذا المستوى، إذ عُقدت القمة الأولى بينهما في عام 2014 في عهد الرئيس أوباما أي منذ ثماني سنوات، وقد شهدت فترة الثماني سنوات فتورًا وتراجعًا لوضعية العلاقات بينهما، بل و ازدراءً أمريكيًّا في عهد الرئيس ترامب لشعوب القارة، تجسدت في تصريحات عنصرية مسيئة لدول وشعوب القارة الإفريقية، وقد أثارت تلك التصريحات استياءً وغضبًا  شديدين على المستوى الإقليمي والدولي، ومارست آثارًا سلبية على العلاقات بين الجانبين، وأتاحت بالتالي فرصًا أفضل لأقطاب دولية أخرى لدعم وتطوير علاقاتها مع دول وشعوب القارة.

ثانيًا : توقيـت انعقــــاد القمــة الدلالات والآثـــــار  

جاء توقيت انعقاد تلك القمة على خلفية عدد من الاعتبارات دفعت الإدارة الأمريكية نحو التعجيل بانعقادها، ويمكن اختزالها في:

  1. تكالب أقطاب دولية تقليدية (الصين، وروسيا، والهند) في تنافس محموم مع الولايات المتحدة، وقوى غربية على التواجد والنفوذ بالقارة الإفريقية بجانب قوى  إقليمية صاعدة وناشئة (تركيا، وإيران، والإمارات، والسعودية، ومصر)، تسعى للتواجد بقوة متنامية في القارة الإفريقية، وفي هذا الصدد:
  2. تعاظم تواجد القطب الصيني بصفة خاصة بالقارة الإفريقية، عبر شراكات إستراتيجية تتسم بالشمولية في جميع المجالات، والتنوع من حيث الطبيعة والاحتياجات، في ظل نهج مرحب به يتسم باحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مع تحقيق المصالح المشتركة على أساس متوازن، وبخلفية غياب أي دور تاريخي استعماري أو استغلالي، وقد حققت الصين- وهي أكبر شريك تجاري في إفريقيا من حيث حجم التعامل التجاري – حوالي 400 مليار دولار  ، وحققت أرباحًا من أنشطتها في القارة الإفريقية بلغت عام 2022 حوالي 440 مليار دولار مع تواجد حوالي مليون صيني بالقارة. تأتي الهند من حيث حجم التبادل التجاري بعد الصين بحوالي 90 مليار دولار ثم روسيا بحوالي 24 مليار دولار، وقد تم تتويج هذا التواجد الصيني الشامل بالقارة الإفريقية في المجال الأمني بإقامة قاعدة عسكرية بشرق القارة في جيبوتي وأخرى بغرب القارة بغينيا، وتعيين مبعوث للقرن الإفريقي. عقد المبعوث الصيني مؤتمرًا للسلام والتنمية بإثيوبيا مؤخرًا؛ ليؤكد على استعداد الصين للاضطلاع بدور في تسوية الأزمات كوسيط بين الفرقاء بدول في القارة ربطًا بالإسهام في مبادرة إسكات البنادق الإفريقية من جانب، ودفع عملية التنمية المستدامة من جانب آخر هذا فضلًا عن مشاركة الصين بقوات لحفظ السلام بدول إفريقية.

وفى إطار التنافس بين القطبين (الأمريكي، والصيني)، كانت الصين انفردت منذ سنوات وحتى وقت قريب بطرح مبادرة عالمية “الحزام والطريق” بشراكة ما يقرب من ستين دولة رحبت بالمبادرة من بينها دول عربية وإفريقية، وهي مبادرة ذات أبعاد (سياسية، واقتصادية، وتجارية) إيجابية وبنَّاءة لأطراف المبادرة، وهو أمر أثار الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة لما فيه من تهديد لمصالحهم الاقتصادية والتجارية، على نحو دفـــع  مجموعة السبع “G 7”  لأن تطرح  مؤخرًا في منتصف عام 2022 بالمقابل برنامجًا بقيمة 600 مليار دولار- نصيب الولايات المتحدة 200 مليار دولار- على مدى خمس سنوات، تحت مسمى “شراكة عالمية في البنية التحتية والاستثمار” “PGII”، موازيًّا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، على أن يوجَّه البرنامج أساسًا للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط ومعظمهم من الدول الإفريقية، في مجالات البنية التحتية وقطاعات (اجتماعية، وبيئية، واقتصادية)، وفي إطار شراكة استثمارية عادلة ومتوازنة .

  • بروز الصين مؤخرًا في المنطقة العربية – وهي المنطقة التقليدية  للنفوذ الأمريكي الغربي- وبنجاح غير مسبوق، فقد أقامت شراكات إستراتيجية تنافس نظيرتها الأمريكية في المنطقة، وعلى نحو أثار حفيظة الجانب الأمريكي إلى حد التصريح بالقول إنهم لن يتركوا فراغًا  في المنطقة لتشغله (الصين أو روسيا)، وقد تعززت فرص تنامي  التواجد الصيني والتراجع الأمريكي في المنطقة العربية بفشل الإدارة الأمريكية في مؤتمر القمة الأمريكية العربية الذي عُقد مؤخرًا بالرياض، سواء في تحقيق نتائج إيجابية فيما يتعلق بإقامة تحالف إستراتيجي بالشرق الأوسط، أو بصدد مواقف دول عربية من أزمة الطاقة والحرب الروسية الأوكرانية، هذا  فضلًا عن  مواقف دول إفريقية أخرى تماثلت مع هذا الموقف بصدد تلك الحرب وتداعياتها عندما تم التصويت على قرار الجمعية العامة بشأنها لتتخذ ما يقرب من 23 دولة إفريقية موقفًا غير مُواتٍ للموقف الأمريكي/الغربي، الذي يدين روسيا بغزوها لأوكرانيا ويطالبها بالانسحاب .
  • تنامي الوجود (الروسي، والهندي، والتركي، والإيراني) كأقطاب شبه جديدة في القارة الإفريقية، فضلًا عن أقطاب إقليمية ناشئة بازغة بقوة أبرزها (الإمارات، والسعودية، ومصر، وجنوب إفريقيا)، لا تتسق أو تتقاطع في مواقفها لحد ما مع الرؤية الأمريكية وتوجهاتها بصدد القارة الإفريقية والمشاكل الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية، وإنما هي الأقرب للتباين معها منه إلى التوافق .

وفي هذا الصدد يمكن رصد تواجد روسي متنامٍ  مستحدث في المجال الأمني في منطقة الساحل، تجسد في وحدات من مجموعة “فاجنر” الروسية والتي تصنف كمرتزقة، في دول ثلاثة  (مالي، بوركينا فاسو، غينيا)، وفي منطقة القرن الإفريقي(السودان، وتشاد)، كما تجسد  في تنامي توريد الأسلحة والمعدات العسكرية ومؤخرًا طائرات حربية ومروحية لدول إفريقية(دول منطقة الساحل)، والتوجه نحو بناء مفاعلات نووية للاستخدام السلمي في دول إفريقية.

ثالثًا :القمـــــة الأمريكيــة الإفريقية في إطار الأوضاع الإفريقية والدولية :

  1. جاءت القمة الأمريكية الإفريقية في ظل معاناة العديد من دول وشعوب القارة الإفريقية من: قضايا، وتحديات، وأزمات شبه مزمنة سواء ذات طبيعة أمنية سيئة: (الإرهاب، الجريمة المنظمة، والإتجار بالبشر، والنازحين، واللاجئين، والهجرة غير الشرعية)، وأخرى ذات طبيعة سياسية أمنية شائكة معظمها نتاج لحروب أهلية وصراعات داخلية بأدوار لقوى خارجية من أبرز القضايا: (ليبيا،  السودان، جنوب السودان، الصومال، الكونغو، منطقة الساحل، منطقة القرن الإفريقي)، وثالثة ذات طبيعة اقتصادية متدهورة: (تفاقم مشكلة الديون تمثل حوالي 40 % من إجمالي الناتج المحلي، الحاجة لضخ استثمارات لمتطلبات التنمية لبرنامج الاتحاد الإفريقي 2063، وخاصة بالنسبة للبنية التحتية وللقطاعات الإنتاجية المختلفة على نحو يمكن معه تنشيط العلاقات التجارية البينية ومع العالم الخارجي)، ورابعة: أوضاع اجتماعية متدنية خاصة في المجال الإنساني المرتبط بـ(الصحة، والتعليم، وأوضاع النازحين واللاجئين)، وتلك الناجمة عن الكوارث الطبيعية وتغيرات المناخ (تحديث النظم الصحية ونقل التكنولوجيا، وتقديم المساعدات الإنسانية وبناء القدرات).
  2. ألقى الثالوث المدمر( جائحة كورونا، الأزمة الأوكرانية، تغيرات المناخ)، بظلاله على القارة الإفريقية بما أفرزه من تداعيات سلبية في العديد من المجالات؛ ليضيف على رصيدها التراكمي من القضايا والتحديات أعباء جسام، وخاصة فيما يتعلق بما جلبته من أزمات أمنية تتعلق بـ(الطاقة، والغاز، والغذاء، والمياه)، وسلاسل الإمداد، هذا في الوقت الذي تأكدت معه حقيقة أن إفريقيا هي القارة الأكثر تضررًا من هذا الثالوث المدمر والأقل سببًا في تداعياته وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن عدد الدول الإفريقية الأكثر تضررًا من تغيرات المناخ يبلغ 17 دولة من أصل 20 دولة بالعالم، ومع ذلك فإن ما لديها من موارد  وإمكانات وثروات  طبيعية وبشرية ضخمة في العديد من المجالات الحيوية(التعدينية، والزراعية، والحيوانية، والبحرية) جاذبة بقوة للاستثمار، يمكن بموجبها  مواجهة التحديات وتجاوز الأزمات، فلديها ناتج قومي يصل إلى أكثر من ثلاثة تريليون دولار لعدد من السكان يصل إلى حوالي 1،3 مليار نسمة يشكل الشباب من بينهم حوالي 60%من الإجمالي .
  3.  قلق الإدارة الأمريكية وتخوفها مما أصاب النظام الدولي المالي والنقدي القائم على الدولار من اهتزاز وربما انحسار؛ بسبب توجه أقطاب دولية(الصين،  وروسيا، والهند) من السعي نحو تقزيم دور الدولار في المعاملات المالية الدولية بل وربما إبعاده، فقد تبنَّت تلك الدول توجهًا يتأسس على تدشين نظام موازٍ أو بديل يعتمد على عملات أخرى في التعامل على المستوى الثنائي مع دول، أو على المستوى المتعدد في إطار تجمعات دولية قديمة أو مستحدثة (البريكس)، مع إمكانية أن يمتد هذا التوجه ليشمل الدول الإفريقية؛ ليتعزز بفاعليته من تراجع التواجد والنفوذ الأمريكي والغربي بالقارة .

رابعًا :  فعاليات القمـــة الأمريكيـــة الإفريقية :

  1. على خلفية مجمل ما تقدم، احتضنت العاصمة الأمريكية قمة أمريكية / إفريقية، ضمَّت خمسين من قادة الدول الإفريقية الخمسة والخمسين، في محاولة جادة، ومقاربة جديدة، وبرؤية مستحدثة تتأسس على علاقات متوازنة في ظل شراكة إستراتيجية تتسم بقدرٍ كبير من الشمول، في إطار الاتحاد الإفريقي وبرنامجه للتنمية المستدامة 2063،  تأخذ الرؤية في الاعتبار الأوضاع والتحديات التي تواجهها دول وشعوب القارة الإفريقية في هذه المرحلة والارتباط بسعي الإدارة الأمريكية نحو وقف التنامي والتعاظم للمد والنفوذ الصيني والروسي بصفة خاصة في القارة الإفريقية. والأمر الجدير بالتسجيل هنا، هو أن التحرك الأمريكي في هذا الاتجاه كان مبعث دوافعه بالدرجة الأولى المصالح الأمريكية  (وبالتبعية المصالح الغربية)، وما تواجهه من تحديات ومخاطر، بل وربما أضرار جسيمة تلحق بها على النحو الذي تم الإشارة إليه .
  2. واقع الأمر، أن القمة الأمريكية الإفريقية كانت قد تأجلت لمدة ثلاثة أشهر، وانعقدت بعد شهر فقط من إطلاق الإستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة في أكتوبر2022؛ لتشكل خطة لمواجهة النفوذ الصيني الروسي بالمنطقة؛ ولتتضمن تحركات أمريكية للرد على نظيرتها الصينية الروسية بالقارة السمراء، وللرد على أي تحركات دولية مناوئة. وأبرز سمات تلك الإستراتيجة الأمنية: عدم تخلي الولايات المتحدة عن دوائر نفوذها التقليدية من خلال فعاليات من بينها اجتماعات على مستوى القمة لدوائر معينة ووضعها على الأولوية (المنطقة العربية، القارة الإفريقية)، وأيضًا محاولة جمع الحلفاء والشركاء الكبار مع الاهتمام بكل من (مصر، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا) والعمل معهم. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تركز على فكرة الفيلق الأمريكي الإفريقي وهو قوة عسكرية إفريقية تحت إشراف الولايات المتحدة لضرب منابع الإرهاب في (تشاد، وجنوب الساحل، والصحراء).
  3. بينما ركزت قمة أوباما الأمريكية الإفريقية عام 2014، على التعاون الاقتصادي بين دول القارة في مجالات: الزراعة، والبنية التحتية، والتجارة، وقضايا ذات طابع أمني سياسي، والديمقراطية_ فإن قمة بايدن الأمريكية الإفريقية  لعام 2022 ،  اتسمت بالشمولية أولًا: من حيث المشاركة إذ شارك بجانب الرؤساء الأفارقة- وعلى نحو غير مسبوق في قمم دولية سابقة- قطاعات مجتمعية تضم معًا قيادات المجتمع المدني، ورجال الأعمال، والشباب، والمرأة، مجتمعات الشتات، المغتربين . وبالشمولية ثانيًا: من حيث مجالات التعاون، والقضايا، والتحديات الإقليمية والدولية، مستهدفة بذلك تعزيز الرؤية المشتركة لمستقبل العلاقات بين الجانبين.
  4. انعقدت فعاليات القمة من حيث المدى الزمني والمستوى على أيام ثلاث، تركزت فعاليات اليوم الأول على مستوى القطاع الأهلي بمشاركة من: ممثلي المجتمع المدني، ومجتمعات الشتات الإفريقية، المغتربين، والشباب، والمرأة في الولايات المتحدة، واشتملت الاجتماعات على محاور (التجارة، والاستثمار، والصحة، وتغيرات المناخ، والسلام، والأمن، والحوكمة، والفضاء). وتركزت فعاليات اليوم الثاني على مستوى رجال الأعمال بمشاركة حوالي 300 شركة أمريكية وإفريقية، وتناولت محاور تتعلق بـ(الاستثمار، والنشاط التجاري) في الإطار البيني بين الجانبين (الأمريكي، والإفريقي)، كما تناولت سبل تحفيز الاستثمارات في قطاعات حيوية تشمل(الصحة، والبنية التحتية، والطاقة، والزراعة، والرقمنة). وفي هذا الصدد، ألمح الرئيس بايدن في لقائه مع مجموعة من منتدى رجال الأعمال عن دعم الولايات المتحدة للانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة. تمحورت فعالية اليوم الثالث حول الاجتماع الرفيع المستوى لقادة الدول الإفريقية والرئيس بايدن، وتركز على برنامج الاتحاد الإفريقي 2063، والذي يجسد الرؤية الإستراتيجية للاتحاد الإفريقي لمستقبل القارة في المجالات المختلفة، كما تمحورت الفاعليات في هذا الاجتماع حول قضايا الثالوث المدمر (جائحة كورونا، الأزمة الاوكرانية، وتغيرات المناخ) على القارة الإفريقية بصفة خاصة وعلى العالم بصفة عامة .

خامسًا :  مخرجات القمة الأمريكية الإفريقية:

  1. ـ التعامل مع دول وشعوب القارة الإفريقية على مسارين : ـ
  2. كتجمع في إطار الاتحاد الإفريقي: ـ
  3. دعم الولايات المتحدة لتمثيل الاتحاد الإفريقي للقارة الإفريقية في مجموعة  العشرين كقوة اقتصادية وسياسية “صاعدة وواعدة”، لم تقترب بعد من نسق عضوية الاتحاد الأوروبي بالمجموعة، والمغزى العميق واضح الدلالة من هذا التوجه هو سعي الولايات المتحدة لجذب القارة الإفريقية كتجمع إلى الجانب الغربي على المستوى الدولي، بمساعدتهاعلى تعاظم فرص استفادتها كتجمع، مما يمكن أن توفره مجموعة العشرين من دعم ومساعدة لدول القارة الإفريقية في إطار برنامج الاتحاد الإفريقي 2063 في المجالات الثماني عشر للتنمية المستدامة التي يشملها البرنامج من جانب، والإسهام على نحو أو آخر في إطار مجموعة العشرين في صنع السياسة الاقتصادية للنظام الاقتصادي الدولي، التي تتولى المجموعة شؤونه من جانب آخر. إن ذلك التمثيل سيتيح فرصًا غير مسبوقة لعرض الاحتياجات والمتطلبات الإفريقية التنموية بشكلٍ مباشر، وفي محفل يضم الاقتصاديات الأكثر تقدمًا في العالم، بل ويمكن الإسهام في إطار ذلك المحفل في تسوية قضايا إفريقية  تضطلع فيها دول أعضاء بدور بصددها. وهنا يجب التنويه أن الأمر على الأرجح يقتصر في التقدير على المشاركة في الاجتماعات ولا يرقى إلى مرتبة العضوية في المجموعة إلا ربما في مرحلة لاحقة لانتفاء شروط العضوية في الوقت الحاضر.
  4. دعم الولايات المتحدة لحصول إفريقيا على مقعد دائم بمجلس الأمن، كخطوة إيجابية بمردود سياسي معنوي، إذ أن الأمر مرتبط بعملية إصلاح أجهزة الأمم المتحدة وتطويرها، وهو أمر يواجه تعقيدات وتباطؤ واختلافات في وجهات النظر بين الدول الكبرى وكذا بين دول القارة الإفريقية.
  5. إنفاذ خطة الرئيس الأمريكي-وبالتعاون مع الكونجرس- باستثمار 55 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات في إفريقيا، على أن يتم ذلك عبر آلية تتجسد في مذكرات تفاهم توقع  بين (الولايات المتحدة، وسكرتارية منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية)، وتؤكد على أسس لحركة تبادل ونشاط تجاري حصري عادل  بين الجانبين .
  6. في الإطار الثنائي/ الإقليمي:
  7.  دعم التعاون عبر الحدود بمذكرات تفاهم مع كل من (بنين، والنيجر)  504 مليون دولار، وكذا مع كل من (السنغال، وموريتانيا) في المجال الصناعي، ومع كل من (نيجيريا، وروندا) في مجال استخدامات الفضاء الخارجي في إطار اتفاقية 1967 لاستخدام الفضاء، ومع كل من (الكونغو، وزامبيا) بصدد صناعة السيارات الكهربائية، والحد من الآثار السلبية لتداعيات تغيرات المناخ .
  8. إجراء مناقشات بناءه بين الشركاء من القطاع الخاص (خصص 15 مليار دولار في إطار تكنولوجيا الرقمنة)، والقطاع العام؛ لتقوية سلاسل الإمداد للمعادن والكهرباء المرتبطة بالتنمية، والحد من تأثيرات تداعيات تغير المناخ، مع الاهتمام بريادة الأعمال  والابتكار في المجالات المختلفة.

سادسًا :  تقديــــــــر:

  1. جاءت القمة الأمريكية الإفريقية لتؤكد الولايات المتحدة بموجبها، اهتمامها بالقارة الإفريقية والتزامها بالإسهام في دعم قضاياها (الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية)، في إطار شراكة إستراتيجية لرؤية ومقاربة جديدة تتسم بالشمول، وتتأسس على علاقات متوازنة ومصالح مشتركة، دون أن تكون قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان عناصر حاكمة في تفعيل تلك الإستراتيجية ولكن دون غيابها .
  2. جاءت القمة الأمريكية الإفريقية في إطار هرولة أمريكية نحو إفريقيا، في محاولة لتعظيم التواجد والنفوذ الأمريكي وتناميه للحد من أو لموازنة تواجد ونفوذ أقطاب دولية أخرى من أبرزها الصين، خاصة وأن إفريقيا أضحت  اليوم أكثر من أي وقت مضى بما تمتلكه من وفرة في  الموارد والثروات الطبيعية وخاصة غير المستغلة، من أبرز وأهم متطلبات ومعطيات التقدم الاقتصادى إقليميًّا ودوليًّا، بل وإمكانية الإسهام في تجاوز العديد من الأزمات الدولية الناجمة عن تداعيات كل من: جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وتغيرات المناخ، وخاصة فيما يتعلق بـالأنظمة الصحية ومتطلباتها، وبالأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والغاز، والأمن المائي، وسلاسل الإمداد.
  3. جاءت القمة الأمريكية الإفريقية؛ لتدفع الولايات المتحدة من خلالها القارة الإفريقية نحو الولوج والتواجد سياسيًّا واقتصاديًّا في مؤسسات النظام الدولي القائم (إفريقيا في مجلس الأمن، الاتحاد الإفريقي مجموعة العشرين، ربط المنطقة الحرة الإفريقية القارية بالمنطقة الحرة الأمريكية)، ذلك النظام الذي يتعرض لاهتزازات من جرَّاء الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها التي تؤثر بلا شك على النظام الدولي ومستقبل العلاقات الدولية خاصة في إطار سعي تلك القوى لتوظيف القارة الإفريقية في ذلك التنافس، الذي بدا يتبلور في تقارب صيني روسي (وربما تحالف سياسي اقتصادي تجاري بالدرجة الأولى) في مواجهة الولايات المتحدة .

تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية، وقد بدأت على الفور في تفعيل نتائج القمة على الأرض بجولة إفريقية قامت بها وزيرة الخزانة الأمريكية خلال شهر يناير 2023 في إطار برنامج يتضمن جولات قادمة لوفود أمريكية أخرى وزيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي “بايدن” خلال عام 2023 للقارة الإفريقية، وقد شملت جولة الوزيرة الأمريكية كلًا من: (السنغال، وزامبيا، وجنوب إفريقيا). وبالمقابل تواكب مع جولة وزيرة الخزانة الأمريكية جولة لوزير الخارجية الصيني شملت كلًا من (إثيوبيا، والجابون، وأنجولا، وبنين، ومصر). وقد تجسدت كلتا الجولتين من خلال ما صدر من تصريحات وما أسفرت عنه المباحثات من نتائج، ما بين القطبين من تنافس على القارة الإفريقية وسعي كل منهما نحو استقطابها. ومن أبرز المؤشرات على ذلك تبني الوزير الصيني في تصريحات له موقفًا داعمًا للقارة الإفريقية فيما يتعلق بتواجدها على المستوى الدولي بقوة بصدد العضوية في مجلس الأمن (بمقعدين) وفي المنظمات الدولية الأخرى، بل ودعى إلى أن تكون إفريقيا مسرحًا للتعاون وليس للتنافس بين القوى الكبرى.

  • على الرغم من أن الولايات المتحدة قد جاءت في إطار القمة الأمريكية الإفريقية برؤية ومقاربة جديدة في التعامل مع القارة الإفريقية، شكلت بموجبها قفزة بصدد علاقات الشراكة الإستراتيجية المستحدثة بين الجانبين، وطرقت مجالات وآفاقًا جديدة غير مسبوقة للتعاون بين الجانبين منها (الرقمنة، والابتكار، وريادة الأعمال)، ومع شركاء جدد من بينهم (الشتات، والمغتربين)_ إلا أنها  ستظل  في إطار التنافس مع الأقطاب الأخرى وخاصة الصين أقل تواجدًا ونفوذًا، وهو الأمر الذي من المرجح أن يحدث زخمًا غربيًّا نحو القارة الإفريقية في تنسيق وتعاون مع الولايات المتحدة ( في إطار مجموعة السبع ، وفي إطار ثنائي )، دعمًا للتواجد والنفوذ الغربي اتصالًا بالصراع والتنافس الغربي الصيني -خاصة مع توثيق العلاقات الصينية الروسية إلى درجة تقترب من التحالفات.
  • قد تستوجب الحكمة السياسية من قادة دول وشعوب القارة أن تستثمر هذا التنافس المحموم بين الأقطاب الدولية التقليدية والمستحدثة في تعظيم المصالح الإفريقية في إطار علاقات متوازنة بينهم، مع تكثيف وتنامي الشراكة الإستراتيجية بين الجانب العربي بما لديه من إمكانات استثمارية وخبرات وتكنولوجيا، وبين الجانب الإفريقي بما لدية من إمكانات وموارد وثروات طبيعية في مجالات عديدة تدفع جميعها نحو فتح آفاق واسعة للتعاون ربطًا ببرنامج التنمية المستدامة لإفريقيا 2063 ، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق، على نحو يمكن أن يشكلا معًا بالتكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي بينهم قطبًا إفريقيًّا / عربيًّا جديدًا بين تلك الأقطاب الدولية .
اظهر المزيد

د. صلاح حليمه

نائب رئيس المجلس المصرى للشؤون الإفريقية ومساعد وزير الخارجية الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى