2021العدد 187ملف ثقافي

دور الأحزاب السياسية في تطور الفنون الأدبية في العصر الأموي

لم يكن ظهور الملل والنحل والفرق والطوائف والأحزاب في بداية الحكم الأموي، ومن ثم انتشارها بنحو واسع- مصدر ضرر كبير يوحي بتفرق كلمة الأمة العربية الإسلامية واختلاف مجتهديها، بقدر ما كان- على العكس من ذلك- فضاء جديد فتح آفاق رحبة للتفكير، وعبر عن حيوية هذه الأمة وفتوتها الحضارية.

كان التعدد الحزبي من أنبل صور الحفاظ على جوهر العقيدة الإسلامية بكل نقائها ومبادئها، فهو تعدد رؤى الأمة و رفض قواها السياسية والفقهية لاغتصاب الخلافة، وإقامة حكم وراثي مخالف لما تعارفت عليه الخلافة الراشدة، إذ تحولت الخلافة إلى ملك عضوض وأُخذت البيعة قسرا، مما أدى إلى اشتداد الاحتدام السياسي ما بين الحكم والأحزاب، وكان أمام شعراء الأمة خياران: إما الانضمام إلى ركب الحكم خشيةً من بطشه أو طمعاً بالعطايا التي يخصصها الحكم لأنصاره، أو الانضمام إلى الأحزاب المعارضة التي تواجه السلطة الأموية وتتحمل مخاطرها… وفي كلا الاختيارين أصبح لكل حزب شعراؤه .

ولأن الشعر كان جهاز التواصل والدعاية الوحيد حينئذٍ وتتفاعل معه الأمة بأسرها، فقد تفنن شعراء الأحزاب في الدفاع عن انتماءاتهم السياسية. ولكون العراق والشام ساحات رئيسة للاحتدام السياسي، فقد ظهر فيهما الشعر السياسي لأول مرة ليعبر عن طموحات الأحزاب، ببلاغة وحنكة وحبكة جعلت منه منافساً قوياً لغيره من أصناف

الشعر الأخرى. وقد لاحظ المؤرخون بأن هذا الفضاء الأدبي المتصادم ساهم بخلق مجموعة من الإبداعات الأدبية الأخرى التي هي موضوع بحثنا هذا.

 يُقال أن الشعر ديوان العرب وهو كذلك، فهو متحفهم الحافل بالوثائق والعبر والآثار، يسجل تاريخهم ويحدد هويتهم ويحفظ ذاكرتهم ويفاخر بمآثرهم. وقد ارتبط الشعر السياسي بالأحزاب السياسية والدينية ارتباطاً عضوياً، عندما كان الشعر هو الوسيلة المؤثرة بين العرب، ولولاه ما عرفت الأحزاب ولا عرفت هويتها..

 يرى بعض الباحثين في الجانب السياسي الأدبي من ظهور التعدد الحزبي في تاريخنا ما لا يراه عموم المؤرخين من حيث الأهمية والأولوية. فالأحزاب التي ذكرها المؤرخون واتفقوا على تسميتها أحزابا، هي تلك التي تسامت عن كونها مجرد عصبيات أو أداة حكم، بل كانت أحزاب طرحت نفسها ممثلة لتوجه سياسي تتبناه فئات اجتماعية ويسعى لأهداف مشتركة للوصول إلى السلطة. وقد وجدنا ضرورة ذكر هذه التيارات كما جرى تصنيفها، ليس لأننا نتفق على كون بعضها أحزابا مكتملة الخصائص، ولكن لكونها تقديرات دبجها عدد من مؤرخي الادب العربي عن مرحلة النشأة الحزبية التي تقتضي ، برأينا، المزيد من الاهتمام .

 حضر الشعر في كل الصراعات المذهبية والسياسية- يقوى بها، ويقويها- تكونت أحزاب سياسية كثيرة، وقد أشتد الاقتتال بينها بالسيوف، وبالشعر، “وقد ظلت هذه الأحزاب تصطرع حربيا ولسانيا طوال عصر بني أمية([1]). ويقدم لنا البحث الشيق للشعر السياسي في العصر الأموي([2]) كشفاً مفصلاً عن دور شعراء تلك المرحلة في الدعوة للأحزاب السياسية التي ارتبطوا بها وتمجيدها وكانوا أجهزتها الدعائية الوحيدة, نستعين هنا بخلاصة موجزة لهذا العمل المعرفي دون أن نكون متفقين بالضرورة مع كل ما احتواه من تقديرات ومواقف:

  1. الحزب الأموي الحاكم : تأسس بعد مبايعة معاوية بن أبي سفيان سنة 41 ه الذي باستخدامه للدهاء السياسي استمال الناس، وبخاصة الشعراء الذين أغرقهم بالأموال، فأصبحوا يشيدون بمآثره ويدافعون عن دولته. ومن هؤلاء الشعراء نذكر: الأخطل التغلبي، وأبو العباس الأعمى، والفرزدق .
  2. حزب الشيعة: وهو أقوى الأحزاب السياسية المعارضة لبني أمية. وقد تناغم شعر الشيعة مع نشاطهم السياسي. فكل منهما صدر عن عقيدة سياسية محددة، تنادي بإصرار أن الخلافة وإمامة المسلمين، حق لآل البيت وحدهم. ومن شعرائهم : أبو الأسود الدؤلي، والكميت بن زيد الأسدي، وغيرهم.
  3. حزب الخوارج: على الرغم من جريمتهم باغتيال الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، فقد عُرفوا بقوة عقيدتهم، وصلابة مواقفهم، وقد أوقع معاوية بحركتهم، وفتك بدعاتها، ومن شعرائهم نذكر: الطرماح بن حكم، وأيوب بن خولي ويزيد بن حبناء.
  4. حزب الزبيريين: وهم أنصار عبد الله بن الزبير الذي رفض البيعة ليزيد، ودعى بالخلافة لنفسه، فاستولى على الحجاز والعراق واليمن ومصر ومكة والمدينة. دامت خلافته من 63 هـ الى 72ه قضاها في حروب مع بني أمية. ومن شعرائه: أبو وجزة السعدي وعبيد الله بن قيس الرقيات.

ثلاث ملاحظات

 تسمح لنا القراءة الأولية لهذه الخلاصة بتسجيل ثلاث ملاحظات أساسية: الأولى تتعلق بعدم صواب إطلاق صفة الحزب على كل الأشكال السياسية التي رافقت أو عارضت الحكم الأموي. إن اعتبار الحكم الأموي حزباً سياسياً يبدو اعتبارا يحتمل النقد، فلم يطرح الحكم نفسه حزباً سياسياً، بل كانت أسرة حاكمة، لها أنصار ومريدون. كما لم يلجأ المناصرون لحكم بني أمية إلى تشكيل حزب ما، وما ذكرناه عن “الحزب الأموي” وانتفاء وجوده ينطبق تماماً على وهم قيام “حزب الزبيريين”.. فضلاً عن أن هذين الانتماءين (الأمويين والزيارين) يدخلان ضمن العصبيات الاسرية أكثر من انتمائهما إلى عصبة الأحزاب السياسية.

 أما الملاحظة الثانية فتتعلق ببعض السمات التي سطرها بعض مؤرخي الأدب عن الشعر السياسي، ففي خلافة معاوية كان الشعراء قد تعودوا في عصر الراشدين على الصدق واستقلال الفكر، وكانوا لا يرون حقًّا لمعاوية في الخلافة، أما شعراء الأمويين فقد خلا شعرهم من الصدق لأن الدافع كان مادياً، فلا يدهش المرء لرؤية بعض شعرائهم ينقلبون على ممدوحيهم. وكان شعراء هذا الحزب يستعينون بعدد من الذرائع لتأييد حكم بني أمية ويدعون بأن الله اختار الأمويين لتولي أمور المسلمين، ويفرِطون في مديحهم تكسباً مثل ما كان يفعل زعيمهم الأخطل التغلبي في مدح بني أمية كقوله:

شمس العداوة، حتى يستقاد لهم   …     وأعظم الناس أحلاما، إذا قدروا

   بني أميّة، نعماكم مجلّلة    …     تمّت فلا منّة فيها و لا كدر

 كان شعر الخوارج يمثل الالتزام العقدي خير تمثيل، فهم بدافع الإيمان بالمبادئ لا رغبة في عطاء، يقولون الشعر ويؤمنون بمبدأ التساوي بين المسلمين جميعاً في تولي الخلافة، ويطلبون ان يكون الحكم شوريا، وأن يتولاه الأجدر. ومن شعر أفضلهم الطرماح بن حكم في هجاء معاوية:

    أَبلِغ أَبا سُفيـــانَ وَالنَفــسُ تَنطَوي    ..   عَلى عُقَدٍ بَينَ الحَشا وَالجَوانِحِ

  بِأَدنى مِنَ القَــولِ الّذي بُحتَ مُعلِنًــا..    بهِ لِامرِئٍ بِعَيبِكُم غيرَ بائِحِ

 وقد عزف شعراء الشيعة عن التكسب، وكانت أقوى حججهم قولهم بأن قريشاً أولى بتولي الخلافة من جميع القبائل وأن آل البيت هم أولى أسر قريش بهذا الأمر لقرابتهم من رسول الله ، وكانوا يكفرون بني أمية لاغتصابهم الخلافة وعدم أخذهم بالكتاب والسنة ([3]) ومن شعر الكميت بن زيد الأسدي في مديح آل البيت :

طربت وما شوقا إلى البيض أطربُ … ولا لعبًا منى أذو الشيب يلعبُ

ولم يلهني دارٌ ولا رسم منزلٍ… ولم يطربني بنانٌ مخضبُ

 ومما يؤخذ على شعراء الزبيريين أنهم على عكس شعراء الشيعة والخوارج متقلبي الهوى ولنا في شاعرهم والمتحدث الرسمي باسمهم وهو عبد الله بن قيس الرقيات خير مثال، فالرقيات الذي خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، هو القائل في مصعب بن الزبير:

إنما مصعب شهاب من الله … تجلت عن وجهه الظلماء

 ولكنه بعد مقتل اصحابه عاد من خوفه الى مديح عبد الملك بن مروان بقوله :

              عاد له من كثيرة الـطـرب … فعينه بالدموع تنـسـكـب

 وتشير الملاحظة الثالثة الى بعض سمات الشعراء، إذ أن شعراء الشيعة مثلاً “أفيض شاعرية وأرقّ عاطفة لتأثّرهم بما أصاب آل البيت وشيعة الإمام عليّ . اما شعراء الزّبيريّين فقد كانوا قليلي العدد متقلّبي

الهوى في الغالب. وقد تميز شعراء الخوارج بثبات الموقف وكونهم من فحول الشعراء وأبطال القتال. وكان شعراء الأمويين أكثر عددا، فهم شـــعراء الدولـــة يلتفّون حولها حبّا بالتكسّب واعتقادا بالعصبية القرشيّة “([4]). كانت تلك الصورة المتداولة التي سلكها شعراء الأحزاب السياسية في الدعاية لأفكار احزابهم ومناوأة خصومهم، وكانت أفكار الحزبيين والسياسيين وأصحاب الفرق الدينية تطغى على شعر شعرائهم([5]).

صراعات سياسية وابداعات ادبية

 حري بنا ونحن نتمعن ما أنتجته تلك المرحلة من التاريخ الإسلامي التي انتشرت فيها الأحزاب السياسية وحفلت بكل أنواع الصراعات والفتن والمواجهات، وما سُفك فيها من دماء. حري بنا أن نستذكر بالمقابل مجموعة من الإبداعات الأدبية التي تمخضت عن صراعات هذه الأحزاب ومنافسات شعراءها نذكر أهمها:

  1. الشعر السياسي:

 وهو الشعر الذي يعبر عن الأحداث السياسية في عصر من العصور، وكان في الحقبة الأموية يعبر عن مدح أو هجاء أو رثاء الحكام أو قادة الرأي، ويحتوي على مجموعة من المبادئ السياسية تتجسد في صيغ وألوان شعرية تعبر عن قيمتها الأدبية. ويمتاز الشعر السياسي عن غيره من التنوعات الشعرية، بتركيزه على مخاطبة العقل والاستعانة بالرموز الدينية والأحداث التاريخية، دون إهمال للأساليب الحماسية.

 يرى بعض المؤرخين أن الشعر السياسي كان متداولًا في العصر الجاهلي ويستدلون في ذلك على أن مديح القبيلة والانتماء لها يُعد في نظرهم شعورا وطنيًا لأن وطن البدوي قبيلته, ولا يتفق عميد الأدب العربي طه حسين مع هذا الرأي إذ هو يؤكد في كتابه ” تقليد وتجديد” على حقيقتين تاريخيتين أساسيتين وهما: الأولى أن الشعر السياسي قد وُلد في بداية العصر الإسلامي وهو بالتالي إبداع أدبي جديد، لأن الشعر الجاهلي الذي انشغل بالمديح والرثاء والهجاء والغزل لم يعرف الشعر السياسي الذي هو فن إسلامي خالص

لم يعرفه الجاهليون؛ لأن الجاهليين، حسب طه حسين، لم تكن لهم سياسة. والحقيقة الثانية أن الشعر السياسي ولد وتطور في العراق، معبراً عن النزاعات السياسية واختلافات الأحزاب و”الخصومات ضد الخلفاء في دمشق التي تُثار باللسان مرة وبالسيف مرة أخرى، لقد أنتج العراق أدباً يلائم هذه الخصومات” ([6]).

 وقد سجل الباحثون في تاريخ الأدب العربي بعضاً من خصائص الشعر السياسي منها : أنه خرج من مفاهيم تآخي المسلمين السائدة اثناء الخلافة الراشدة، وذهب إلى إذكاء روح العصبية، وأنه ساهم في تعميق الانتماء السياسي والاجتماعي، وأنه جمع ما بين التقليد والتجديد: وأن أسلوبه قوي وألفاظه عذبة، أنه ربط الحدث السياسي القائم بأحداثٍ تاريخيةٍ، وأظهر البعد الدينيّ له. ولكن غلبت على بعضه النفعيّة والمبالغة في المدح([7]). ويمكن إضافة خصوصية أخرى وهي أن المؤرخين استخدموا الشعر السياسي كمصدر وثائقي لتسجيل الأحداث لكونه مرآة تعكس أوضاع الناس وأحوالهم وصراعاتهم وطموحاتهم في صياغة مستقبلهم.

  • النثر السياسي:

 إن انتعاش الحياة السياسية، وتعدد الأحزاب وتباري الشعراء قد أنتج أنواعًا مستحدثة من الفنون الأدبية ساهمت في النشاطات الأدبية وجرى توظيفها سياسيا، وبدورها أنتجت النثر السياسي. ويؤكد الأستاذ طه حسين بأن النثر لم يكن موجودا في العصر الجاهلي، وأن النثر المنسوب إلی الجاهليين ليس إلا شيئا منحولا مدسوسا عليهم. وبالنظر إلى خصوصية العراق في احتضان معارضة الحكم الأموي فقد ابتكر العراق فنونًا جديدة من فنون الشعر والنثر السياسي، حيث كان الناس يختصمون شعراً، وكانوا يختصمون نثراً، وكانوا إذا اختصموا شعرا نُقلت خصوماتهم على ألسنة الرواة، وكانت أكثر شيوعاً وأكثر تنقلا من مكان إلى مكان”([8]).

وفي العراق أيضًا جرى استحداث “نوعين من الحياة العقلية، كانا أول ظهور النثر: أحدهما التاريخ والآخر الفلسفة، ونحن عندما ندرس تاريخ الأدب العربي في القرن الثاني نجد أن العراق قد شهد نشأة هذين الفنين. كان المتكلمون والفلاسفة ورؤساء الفرق السياسية يتناظرون ويتجادلون في الكوفة ومسجد البصرة، يؤيد كل منهم مذهبه السياسي باللسان بعد أن كان يؤيده بالسيف([9]). وقد اقتضت المناظرات بلاغة في التعبير ومنطق في التدبير، وكانت لها تأثيرات أدبية ولغوية على المدارس الفلسفية الكلامية، وقد تجسد ذلك الجدل في ظهور اتجاهين فكريين أساسيين هما: المدرسة الكلامية و المدرسة الأدبية.

 وعلى صعيد آخر فالشعر تميز عن النثر بالوزن والقافية بينما النثر هو أحد أشكال الكتابة السردية. كان للعرب في الجاهلية نثر له خصائصه وقيمته الأدبية، دخل في مرحلة جديدة بظهور الإسلام([10]). ازدادت الحاجة في بداية العصر الأموي للنثر وأدب الرسائل لضرورتين : الأولى نتجت عن اشتداد حدة الصراع بين الأحزاب السياسية، والثانية بسبب الفتوحات الخارجية ودخول ثقافات أمم جديدة إلى الثقافة العربية.

 يذكر الأستاذ طه حسين كيف وُلدت الحاجة للنثر السياسي بعد انتشار الأحزاب: “وكانت الثورات والفتن قد مهدت لنضج العقل العربي وحملته على أن يروى في نفسه ويفكر فيما كان من الإسلام والفتوح والثورات. ولا يستطيع الشعر بحال أن يعبر عن هذه المعاني الجديدة، وأن يبسط الرأي السياسي، وأن يبسط الرأي الديني والفلسفي، وأن يقص التاريخ قصًّا واسعا مفصلا. ولم يكن هناك بُدٌّ من الانصراف إلى النثر للمحاورة والمناظرة، ووصف التاريخ والعلوم والتحدث عنها بسهولة، ففي هذا العصر نستطيع أن نقول: إن النثر قد وُجدت له الأسباب التي مكنته من أن يقوى من جهة، وأن تنشأ له فنون جديدة من جهة أخرى”([11]). وقد تغيرت أهداف النثر ومعانيه في الجاهلية تغيرا محسوسا بعد ظهور الإسلام، حيث «تلوّن النثر في هذا

العهد بجميع ألوان الحياة الجديدة فکان: خطابة، وکتابة، ورسائل وعهودا، وقصصا، ومناظرات، وتوقيعات. وامتاز النثر في هذا العهد بالإيجاز علی سنة الطبيعة العربية الأصيلة»([12]). لقد أصبحت كلمة الفنون النثرية تطلق على مختلف أنواع النثر، كالخطابة والقصة القصيرة والمقالة، وكل كتابة فنية بلاغية هي فن نثري حتى أن البعض يعتبر النثر يتفرع إلی جدولين کبيرين، هما الخطابة والکتابة الفنية([13]) ـ

  • أدب الرسائل:

 كان لصراع الأحزاب السياسية المعارضة للحكم الأموي الدور الكبير في تطوير الشعر السياسي وازدهار النثر وترقية أسلوب الخطابة، مما ساهم بدوره في تطوير فن الكتابة. وأسباب ذلك: التنافس بين الإبداعات الشعرية والنثرية والخطابية، وما أنتجته الفتوحات الإسلامية من امتزاج الثقافة العربية مع الثقافات الأجنبية الأخرى، مما ساهم في إثراء الثقافة العربية ووفر المكانة المرموقة للكتابة وتزايد حاجة الخلفاء إلى الكتبة .

 لقد أنعشت هذه التطورات الأدبية “أدب الرسائل”([14]) الذي استخدمه الخلفاء في مراسلاتهم السياسية والإدارية مع الملوك والأمراء والولاة. كان الكاتب ينشئ الرسائل التي يبعث بها الخليفة إلى الولاة والعمّال والملوك، وكان يتلقّى الرسائل التي تُرد إلى الخليفة. وقد تزايد اهتمام الكتبة باللغة والأسلوب والبلاغة والاقتباس من آيات القرآن الكريم والاستعانة بالتشبيهات من الشعر والأمثال والحكم ([15]) .

 سببان أساسيان ساهما في بعث الروح بأدب الرسائل وترسيخ بنيته وتطويره : الأول سبب خارجي

مستحدث وهو الفتوحات الإسلامية، التي نجم عنها كثافة ملحوظة في مراسلات الخلفاء مع زعماء الدول وقادة الرأي والولاة في كل الأمصار. والثاني سبب داخلي نتج عن صراعات الأحزاب السياسية فيما بينها، وكذلك مع الحكم الأموي حول أحقية الخلافة وتولي الحكم وامتد الصراع إلى قضايا العدالة والمساواة والشورى والتي جرت باستخدامه أفضل أساليب فن الكتابة، وهو ما أنهض وطور فن أدب الرسائل. وأبرز الحاجة للكتبة وأنعش مهنة الكتابة، فأصبحت إحدى أهم وظائف الدولة العليا ولها مكانتها في المجتمع.

 عرفت تلك المرحلة تصاعدا حادًا في قمع الأحزاب المعارضة ونشبت الحروب، و”كانت تلك الظروف المعقدة وكل ما ينتج عنها, مصدر إلهام لأدب الرسائل ، إذ طفقت تلك الأحزاب تدافع عن آرائها, وتعمل بدأب لنشر مبادئها بشتى الوسائل, فاتخذت الرسائل أداة مهمة في لُجَّة ذلك الصراع السياسي([16]) .

 رافقت أحداث الاحتراب بروز ظاهرة ثقافية تأسيسية لمهنة جاءت مرادفة لمهنة الفقية دون أن تكون بديلاً عنها. فقد وُلدت مهنة الكاتب التي انبثقت كنتيجة منطقية لتطور جدل الأحزاب السياسية وثمرة لصراعاتها الفكرية، واتسعت دائرة اهتمام الكاتب وما نجم عنها من تقدم في فنون الشعر والنثر والخطابة والكتابة. ومن المفارقة ملاحظة أن جملة التأثيرات التي رافقت الإبداعات سالفة الذكر كانت إيجابية وسلبية على أحزاب المعارضة وأحزاب الموالاة على حد سواء. ففي حين قادت المطاردات الشعرية السياسية واحتدام الجدل المعرفي إلى الرفع من شأن المعارضة السياسية بترسيخ فكرها المبدئي المعارض، قامت على الجهة المقابلة الاخرى بإضعاف شعر الموالاة، من خلال إضفاء خصائص سلبية جداً عليه مثل : عدم المصداقية، والمبالغة في المدح؛ وغلبة التوجهات النفعيّــة،؛لإرضاء الخلفاء، والتنافس في الحصول على العطايا([17]).

  • الخطابة:

 يَعنِى فن الخطابة بدراسة طرق التأثير ووسائل الإقناع، والإلمام بالقوانين التي تساعد الخطيب على حسن استخدام التأثير بالكلام والإقناع بالخطاب؛ ويذكر في هذا المجال أن أرسطو واضع أول كتاب في الخطابة لم يكن خطيبًا، بل قال فيه الجاحظ إنه كان بكئ اللسان([18]).

 عرف العصر الجاهلي فن الخطابة وكان العرب يتبارزون بالبلاغة والبيان، تطور هذا الفن كثيراً بظهور الإسلام. فقد اتسم العهد الإسلامي بكونه عهد نهضت فيه الأمة في كل الميادين، وكان للفنون الأدبية والكلامية شأن كبير في الحياة العامة التي تطور فيها فنَّان مهمان هما: الشعر السياسي والخطابة، وباتا من أعمدة النَّهضة الأدبية والدينية. وقد أثرى تنافس الأحزاب وصراعاتها ومناظراتها البلاغية ومطارداتها الشعرية الحياة عامة. فقد خلق فضاءات أدبية إبداعية ساهمت في ترقية: الشعر السياسي، والنثر السياسي والخطابة، وأدب الرسائل. وحدث تنوع مستمر في موضوعات الكتابة الفنية، وأدى احتدام جدل المناظرات إلى نمو أدب الاختلاف، وازدهار الخطابة السياسية ازدهاراً لم يُشهد مثيل له من قبل، وتعددت موضوعاتها.

 احتلت الخطابة مكانة مرموقة لا تقل أهمية عن مكانة الشعر والنثر. وبدورها ساهمت هذه الفنون بقصصها السردية عن التاريخ وعن سجلات الذاكرة الحضارية في إشعال لهيب المناظرات العلمية والفلسفية والدينية، وبعثت مجالات تألق حضاري. ومع ذلك لم يستفد العرب من الاطلاع على فن الخطابة والشعر اليوناني وكتاب الخطابة لأرسطو. وهو ما أَسِف طه حسين وعبد الرحمن بدوي على” ما أضاعه العرب من عدم إدراكهم جوهر كتابتي الخطابة والشعر الأرسطيين وإلا لتغير وجه الأدب العربي بل والفكر السياسي العربي أيضاً بحسب اعتقاد بدوي”([19]). أهتم اليونان فكريًا وفلسفيًا بفن الخطابة، وقسموا الخطابة إلى ثلاثة أقسام: قضائية واستشارية واستدلالية. وبالمقابل انصب الاهتمام بفن الخطابة، وتعددت أصناف الخطابة، فكانت

خطابة “وعظية” و”خطابة حربية” رافقت الفتوحات وخطابة اجتماعية عبرت عن أفراح وأتراح الحياة اليومية، وخطابة سياسية احتلت فضاءً ثقافيًا فريدًا، وشغلت مساحة كبيرة في اهتمام الخاصة والعامة وشغفهم.

  • أدب المراثي:

 كانت الفنون الأدبية وما زالت تعكس الصورة الحية للطبيعة الاجتماعية لأية أمة وتلقي الضوء على مبادئها وتقاليدها الإنسانية. ومن بين هذه الفنون نذكر شعر الرثاء الذي عرف في الجاهلية، وكان أدباً شخصياً حزينا، ومن أبرز رموزه الخنساء التي مكثت سنوات طوال وهي ترثي أخاها صخر قائلةً:

يذكّرني طلوعُ الشمسِ صخرًا وأذكرُه لكلّ غروب شمس

فلولا كثرة الباكين حولي على إخوانِهم لَقتلتُ نفسي.

 وفي صدر الإسلام بقي الرثاء متداولاً إلّا أن الإسلام أضفى عليه قناعات جديدة مثل الرضى بالقضاء والقدر والتسليم لله، ومن ذلك ما قالته فاطمة -رضي الله عنها- برثاء النبي- صلى الله عليه وسلم-:

اِغبرتّ آفاقُ السماءِ وكوّرت … شمسُ النهارِ وأظلم العصرانِ

فَالأرضُ مِن بعدِ النبيّ كئيبةٌ … أَسفًا عليه كثيرةُ الرجفانِ ([20])

 وقد أضاف الشعراء في العصر الأموي الرثاء السياسي مثل رثاء القادة والخلفاء وأصحاب الشأن في الدولة والمجتمع. تطور هذا الرثاء بظهور أدب المراثي” بعد واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين. فقد ظهر عند شعراء الشيعة نوع من الشعر المتصل بأدب المراثي عند العرب، ولكنه كان يتصف بالعاطفة التي تتفجر حزنا وبكاء على شهداء أهل البيت من الهاشميين، الذين لاقوا مصرعهم على يد بني أمية”([21]) .

غير التراث الأدبي للشيعة صورة “أدب المراثي”، فقد عكس الاحتجاج السياسي الصارخ على الظلم في واقعة ألطف بكربلاء كما عكس حجم المأساة باستشهاد الحسين. وقد أظهرَ الشاعر “الكميت بن زيد الأسدي” الذي عرف بشاعر (الهاشميات) -ولاءَه وإخلاصه لآل بيت النبي ورثاء شهدائهم. واشتهر ببائيته المعروفة:

          طَرِبتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطرَبُ … ولاَ لَعِبًا أذُو الشَّيبِ يَلعَبُ

وقد ضمن الكميت “الهاشميات” أبياتًا في رثاء الحسين سيد شباب أهل الجنة، منها:

       قتيلٌ بجنــب الطف من آل هاشـــمٍ … ومنعفر الخديـــن من آل هاشـــم ([22])

خاتمة : المثقف في معترك السياسية !!

 إلى جانب كل المنجزات الأدبية سالفة الذكر التي ابتدعتها أو طورتها الحقبة المتوترة التي شهدت الفتنة الكبرى، هناك تغييب لمنجز ثقافي لا يقل أهمية عن باقي المنجزات، له تأثيراته على مجمل الحياة الثقافية العربية، وهو ظهور “فئة القراء”. لقد غاب هذا المنجز الثقافي عن الملاحظة البحثية ولم يلق الاهتمام اللازم، رغم أهميته في مجال تعميق معرفتنا بفئة لعبت دورا خطيرا في تاريخنا، فلم نسجل ظروف نشأتها وتشكيلاتها وخلاصة اجتهاداتها وتأثيراتها في معارك السيف والقلم، حتى لاحظ أحد الباحثين بداية دخول فئة القراء لمعترك السياسية من أعنف أبواب السياسة وهي الحرب!!

 يشير الأستاذ علي أوليل في دراسته القيمة والسلطة الثقافية والسلطة السياسية” إلى أن أول ظهور لـفئة القراء” كان في معركة صفين(37 هـ) عندما أدخل الخليفة علي بن أبي طالب في جيشه كتيبة تُدعى “كتيبة القراء” وكانت سببًا في موافقته على طلب التحكيم وسببًا بالخروج عليه. كانت الفتنة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان في أوجها عندما نشب الخلاف على أحقية الخلافة. وأدى ذلك إلى معركة صفين، وهي أول معركة خاضها القراء “المثقفون” في التاريخ الإسلامي، كما هي أول تدخل للقراء في معترك السياسة. ومن المؤسف أن يكون ذلك من باب الاقتتال، ويخرج “قراء الخوارج” من الحرب ومن معترك السياسة مهزومين فيحاولون

تعويض خسارتهم بارتكاب جريمة اغتيال الخليفة علي بن ابي طالب. يشير الأستاذ علي أومليل عن تدخل القراء كقوة مستقلة في أكبر انقسام شهده التاريخ الإسلامي فيقول دشنوا سلطة العلماء الدينية حين تمتد إلى السياسة وتتدخل في قضية الشرعية. وكان سندهم الكتاب، كما هو سند الفقهاء والأصوليين في كل زمان.

 الكتاب إذاً فاعل في تاريخ المسلمين، لكن دائماً عبر وسائط، أي سيكون هناك دائماً من يقوم باسمه لينادي برد أمور المسلمين إليه. وهكذا فإن القراء منذ وقعة صفين دشنوا ظاهرة سوف تتردد في التاريخ الإسلامي، وهي العلاقة المتوترة بين الفقهاء الأصوليين والدولة ” ([23]).

 ويبدو مفيدا جدا التمعن بالقضايا التي تشير لها هذه الفقرة من كون القراء قوة مستقلة، وسؤالنا هو: مستقلة عن من؟ عن جيش علي وهي جزء منه، أم عن الخوارج وهي سبب خروجهم على علي أو عن معاوية وهم يحاربونه، القراء في تقديرنا كانوا طرفاً أساسياً بالفتنة. نعم لقد دشنوا سلطة العلماء بتدخلهم في قضية الشرعية، ولكنهم دخلوا ساحة المعركة بوصفهم كتيبة عسكرية (كتيبة القراء).. يبقى التذرع بالكتاب كان وما زال ويبدو بأنه سيبقى الفيصل الحاكم في الاختلافات لكل الفرق والملل والاحزاب، وسوف يبقى المؤولون يتحكمون بتفسير نصوصه أو ليس” القرآن حمَّال أوجهه” كما يقول الأمام علي بن ابي طالب؟

 تستدعي مثل هذه الفكرة النيرة لأومليل بعض التأمل والتحليل في واقع ما كان عليه الاجتماع الإسلامي وما هو عليه الآن، فعلاقة المثقف بالسلطة والدولة والمجتمع اليوم، لم تنفصل عن سياق ذاكرتها التاريخية، فهي ما زالت محتفظة بتلك العلاقة المتوترة، لأن فئة المثقفين كقراء أو فقهاء دخلوا معترك السياسة في الزمان والمكان الخطأ، ودخلوا أولى معاركهم العسكرية بالخطأ أيضاً، فخسروا السياسة وهزموا في الحرب.!

 ولم ينتبه سوى عدد قليل جدًا من المثقفين العرب لهذه الوقائع وهو ما يفسر غيابها عن البحث والتحليل، وعن التناظر والجدل الفكري الذي وإن كان جاليًا في أغلب حالاته وما أكثرها! ولكن بقي بعض الجدل عقلانيًا. تلك كانت وقائع تاريخية مهمة لم تنل قسطها من البحث والتمحيص، ولم نكتشف بعد جوانبها لمعرفة بعض مسببات الإحباط النفسي و الفكري لثقافتنا العربية الاسلامية.

جرى ذلك في حقبة تاريخية انتشرت فيها المدارس في مراكز المدن، وازدهرت الاجتهادات الفقهية والنشاطات الفكرية واحتد في ظلها الحوار، وتطور علم الجدل ووضعت ركائز أدب الاختلاف ، الأمر الذي أنعش الحياة العقلية الاسلامية، وتقدمت علوم التاريخ والفلسفة والسياسة وعلوم الدين والآداب كافة، وكان من المفترض في ظل هذه التطورات العلمية والثقافية أن يلتفت بعض الباحثين إلى البحث أو يتساءل على أقل تقدير عما جرى ويطرح عددًا من الأسئلة الاستيضاحية مثل: ما الذي جعل فئة القراء تتبارى بالسلاح بدل أن تتبارى بالعقل والقلم؟ ما الذي جعلها تخسر المعركتين السياسية والعسكرية؟ لماذا وافقت على التحكيم وخرجت عليه ؟ كيف تفرقت على فرق الخوارج وغاب تأثيرها ؟ أسئلة يمكن لأجوبتها المتنوعة أن تكشف لنا بعضاً من خبايا العلاقة المضطربة ما بين المثقف والسلطة والمجتمع، وتضيء لنا جوانب بقيت خارج منطقة الضوء لأننا فوتنا على انفسنا مهمة الاطلاع على بعض تفاصيلها وملابساتها ومراميها.

 كانت فئة القراء علامة بارزة في تاريخنا الثقافي سواء بظهورها المفاجئ ككتيبة في جيش الإمام علي أو ببروزها في فضاء السياسة كصانعة رأي، ورفعها السلاح إلى جانب القلم، ودخولها المعارك من أجل نصرة أفكارها. ومع ذلك ركنت في دهاليز الماضي فبقيت مبهمة وتستدعي مزيدا من الدراسة والتحليل.

 ومن المفارقة أن يلجأ المفكرون العرب عند البحث عن تاريخية ظهور مصطلح المثقف للذهاب مباشرة نحو التاريخ الفرنسي إلى عام 1898 ويعتبروه الإعلان الأول لولادة المثقف الكوني على إثر صرخة الروائي الفرنسي أميل زولاً بمقالته “إني أتهم” الرافض لتهمة الخيانة العظمى التي وجهت للضابط الفرنسي /اليهودي دافوس والتصريح بأن المثقف ظهر مناصرا للسامية ومعاديا لخصومها!

 آلاف المقالات العربية والأجنبية دبجت عن نحت مصطلح المثقف على إثر صرخة زولا. لقد ادعت “النخبة” ومصطلح “النخبة” ولد هو الآخر لأول مرة كتوأم لمصطلح “المثقف” من رحم الأزمة نفسها -للتأكيد أن المثقف ولد غربياً ونخبوياً متحديا العنصرية واللاسامية. يا لسخرية القدر: أحقاً تأخرت البشرية حتى أواخر القرن التاسع عشر لكي تكتشف المثقف مع أن تاريخ الثقافة والكتابة يعود إلى آلاف السنين قبل ميلاد إميل زولا بل وقبل ميلاد المسيح !!.

 لماذا لا يعود الباحثون العرب عند البحث عن تاريخية ظهور مصطلح المثقف إلى تاريخنا الحضاري العربي الإسلامي الحافل بإبداعات الثقافة ؟ لماذا لا نبحث في الكيفية التي اكتشفت فيها حضارتي وادي الرافدين ووادي النيل في الوقت نفسه الرمز والعلامة كوسيلة اتصال بين الأقوام البشرية وظهرت على إثرها الكتابة لأول مرة في تاريخ الدنيا ؟ أو ليست الكتابة هي الانقلاب الحضاري المذهل في الفكر الإنساني؟

 ألا يكون الأجدر بنا ، بدل العودة إلى مثقف زولا، العودة إلى نماذج ثقافية لامعة في حضارتنا العريقة؟ ألم تنبثق ثقافة الإنسانية مع ظهور أول شاعرة وأديبة وكاهنة في تاريخ البشرية حسب المجلس الثقافي البريطاني وهي” إنخيدوانا سرجون الآكدي(2285-2250 ق م)” أو الكاهنة الأعلى، التي تركت مجموعة من الأعمال الأدبية والشعرية والتراتيل وترجمت مؤلفاتها إلى الإنكليزية والألمانية. وقد اشتهرت “انخيدوانا” عالميًا إلى درجة أن قام الاتحاد الفلكي الدولي عام 2015 بتسمية فوهة على سطح عطارد باسم إنخيدوانا.

 أليس لنا في تاريخ مصر الفرعونية الحافل بإلإنجازات الحضارية -نماذج من نتاجات الثقافة الكونية المميزة؟ ألم يتعلم التلاميذ في مدرسة من عصر الأسرة الـ18 (في الفترة بين 1543-1292 ق.م)- أمرين أساسين هما: الكتابة، وتعلم الحكمة؟ ألم يكتب الحكيم “خع خبر رع سنب” على لوح: ليتني أعرف جُملاً لم يعرفها أحد، كلمات لم يعرفها أحد من لغة جديدة لم تُستخدم من قبل، ولم يُكررها الناس، بدلاً من التعابير التي شاخت وقالها القدماء([24])؟ إنها مشاعر تجديدية نهضوية إبداعية لمثقفينا سبقتنا بها كل الأمم.

 لماذا لا نسترشد بتاريخنا الحضاري ونلجأ لمعرفة حاضرنا بدراسة ماضينا لنتعلم سياقات تطورنا الثقافي ؟ لماذا علينا الرضاعة من ثدي مرحلة التنوير وليس من التاريخ الإغريقي مثلاً هذا التاريخ الذي جعل فيه أفلاطون الفيلسوف في قمة الهرم السياسي لجمهوريته باعتباره رمز للقوة العاقلة بل وذهب أبعد من ذلك فاشترط في الملوك أن يكونوا فلاسفة؟ أسئلة كثيرة لا شك أنها محيرة ولكنها في الواقع مصيرية في اختياراتها.

 لقد لعب الصراع بين الأحزاب السياسية في ماضينا الدور الأساس في ابتداع أو تطوير العديد من الإنجازات الثقافية التي أشرنا لها مثل الشعر السياسي والنثر وأدب الرسائل والخطابة وأدب المراثي وعلينا أن نضيف الانجاز المغيب وهو “فئة القراء المثقفين”، ونسعى لمعرفة تفاصيله منذ الفتنة الكبرى وحتى اليوم!!


([1]) إحسان النص: الخطابة العربیة في عصرھا الذھبي، ط2 (القاهرة: دار المعارف، 1963 )، ص43

([2]) الشعر السياسي في العصر الأموي، انظر:

 http://elearning.centre-univ-mila.dz/pluginfile.php/68883/mod_resource/content/

([3]) الادب في العصر الأموي: أنظر: https://www.marefa.org/

([4]) عمالأول:، شعراء السياسة في العصر الأموي في تاريخ الادب العربي.الجزء الأول:ص

([5]) قصي الحسین، تاریخ الأدب العربي – العصر الأموي، ط12 ، (بيروت: دار ومكتبة الهلال،1998 ) ص 12.

([6]) طه حسين، تقليد وتجديد (القاهرة: مؤسسة هنداوي،2017) ص 20 وما بعدها..

([7]) أنظر : الادب في العصر الأموي https://www.marefa.org/ وانظر ايضاً وفاء صلاحات، خصائص الشعر السياسيhttps://mawdoo3.com/. وانظر: ايمان الحياري، خصائص الشعر السياسي في عصر بني أمية، ةhttps://mawdoo3.Com. /

([8]) طه حسين، تقليد وتجديد، المرجع السابق نفسه. ص 21.

([9]) طه حسين من حديث الشعر والنثر (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012) ص 37

([10]) رضوان باغباني، تطور النثر العربي، موقع ديوان العرب: https://www.diwanalarab.coنشر في 22/5/2009

([11]) طه حسين من حديث الشعر والنثر، مصدر سبق ذكره، ص 36و37.

([12]) أحمد هيكل . تطور الأدب الحديث في مصر(القاهرة: دار المعارف، ط 6، 1994م). وأنظر أيضاً: حنا الفاخوري،الجامع في تاريخ الأدب العربي، (قم: منشورات ذوي القربی ، ط 3، 1427هـ)، ص: 322

([13]) إيمان حيارى، فنون النثر، موقع سطور، 25/2/2021 في https://sotor.com/ وأنظر أيضاً : رضوان باغباني، تطور النثر العربي. موقع ديوان العرب . https://www.diwanalarab.com/

([14]) استحدثت إبان حكم معاوية بن أبي سفيان و عبد الملك بن مروان مناصب رسمية للكتابة مثل ديوان الرسائل. وكان رئيس الديوان يسمّى الكاتب. ثم اُستحدث رئيس وكتاب مرؤوسين وأصبحت الكتابة صناعة ذات قواعد وأصول.

([15]) اللغة العربية في العصر الأموي، انظر: https://arab-123.tumblr.com/post/63630496809

([16]) الرسائل في العصر الأموي . أنظر: http: //www.uobabylon.edu.iq/uobcoleges/le.

وانظر ايضاً : https://almerja.com/reading.php عمر فاروغ، الكتابة والرسائل في العصر الأموي في تاريخ الادب العربي، ج 1 ص 374-378

([17]) إيمان الحياري، خصائص الشعر السياسي في عصر بني أمية، نشر في 23/5/2020 أنظر: https://mawdoo3.com/

([18]) محمد أبو زهرة. الخطابة : أصولها ، تاريخها في أزهر عصورها عند العرب ( القاهرة: دار الفكر العربي، 2010).

([19]) د. علي أومليل، السلطة الثقافية والسلطة السياسية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996) ص 85 .

([20]) الديوان ، فاطمة الزهراء أنظر: https://www.aldiwan.net/poem4520.html

([21]) عبود جودي الحلي, علي كاظم المصلاوي , علي حسين يوسف عناد ،الطفيات في الشعر العربي -تطور وتاريخ- مجلة اهل البيت العدد 10 .

([22]) الشعر السياسي في العصر الأموي، مصدر سبق ذكره.

([23]) على اوليل السلطة الثقافية والسلطة السياسية(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996) ص 35

([24]) محمد إمام ، نظرة على حركة الثقافة والمثقفين في مصر الفرعونية. أنظر : https://www.ida2at.com/look-movement-culture-intellectuals-pharaonic-egypt/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى