2018العدد 176دراسات

مواقف ومخططات اسرائيل تجاه الأزمة السورية الراهنة

تمهيد

اندلعت الانتفاضة الشعبية السورية – كما هو معروف- في مارس 2011 في مدينة درعا، وسرعان ما انتقلت إلي مدن أخري وتحولت خلال بضع أشهر إلي حرب أهلية، صاحبها تدفق عدد من التنظيمات المتطرفة الي الساحة السورية، فتحولت إلي صراع اقليمي/ دولي وحروب بالوكالة بالتواطؤ مع دول الجوار التي استغلت ثغرات الحدود الجغرافية المشتركة لتسريب كميات من الاسلحة وعناصر التنظيمات الارهابية باعداد كبيرة والذين ينتمون لأكثر من 90 دولة، وتدخلت اطراف اقليمية ودولية – على هذا النحو –  في الشأن السوري، تحت ستارة نصرة الشعب السوري ودفاعاً عن حرية خياراته وكشف الواقع، من زيف ذلك وأن هذه اليافطة كانت تخفى ورائها مآرب ومصالح استراتيجية ذاتية لهذه الأطراف. بل وغلب على مواقفها نزعة الثأر الاقليمي من السياسات السورية وبصفة خاصة الدور الاقليمي لسورية الممانع لبعض الخطط والتسويات الأقليمية، وتحولت سورية معها إلي ساحة رماية لتصفية حسابات إقليمية ودولية، ضمن نطاق مخطط اوسع وهو السعى لتغيير النظام الاقليمي العربي القائم، في إطار ما أطلق عليه نظام الشرق الأوسط الجديد.

وإذا كان البعض يرجع هذا التطور إلي ممارسات النظام السوري وسوء إدارته لبدايات الأزمة السورية، وتعامله معها بأسلوب القمع، وهو أمر يحتاج لمزيد من البحث والتحليل لا يتسع له المجال، فإن البعض الآخر يعتقد إن المسألة أبعد من ذلك، إذا نظرنا اليها من المنظور الخارجي وشاهدنا حجم التكالب المسعور على سورية والمؤامرة التي تعرضت لها من أطراف اقليمية ودولية.

ولقد حفزنا هذا التباين للكتابة عن دور اسرائيل كأحد هذه الأطراف لمحدودية ما كتب عنه، رغم ان هذا الدور – في تقديرنا- أسهم بدرجة كبيرة في زيادة حدة الأزمة السورية وتعقيداتها.

البند الأول: رؤية اسرائيل لسوريا ودورها في المنطقة العربية

1 – في بعض الخلفيات

ظلت اسرائيل تركز على سورية ودورها الأقليمي والتي كان قادتها يرفعون شعار القومية العربية – رغم محدودية انجازاتها – ورغم أن سورية لم تستطع أن تترجم ذلك في اعتراف عربي بدورها كقوة قائدة لاسباب متعددة، يضيق المجال عن حصرها. ولكن اسرائيل لم تخف عدائها لفكرة القومية العربية، لخشيتها من أن تؤدي مع الوقت، إلي حالة نهوض عربي جامع يتصدي للمشروع الصهيوني، فالسوريون اعتبروا أنفسهم من الناحية التاريخية “قلب العروبة” النابض، ومثل الدفاع عن القضية الفلسطينية مقوماً اساسياً في تكوين شرعية اي نظام حاكم في سوريا.

وظل البعد القومي واضح في مرحلة حافظ الأسد وشكل المكون الاساسى للسياسة العربية لسوريا التي اعتبرت نفسها مؤتمنة على القضايا القومية، وجعلت في مقدمة أهدافها مواجهة المخاطر الاسرائيلية التوسعية واعتبار القضية الفلسطينية قضية مبدأ ومصير، وأن اسرائيل والصهيونية أعداء للعرب وأن التعايش معهما يمثل ضرباً من الخيانة الوطنية والقومية وهى مواقف كانت في مجملها تزعج الاسرائيلين.

واستغلت اسرائيل التوجه السوري – على هذا النحو – لتأليب الرأي العام الدولى ضد سوريا التي نجحت في اسقاط إتفاق سلام منفرد بين لبنان وإسرائيل 1982 والذي سبقه غزو اسرائيل للبنان (مارس 1978) للقضاء على المقاومة الفلسطينية.

وسعت اسرائيل إلي استغلال مكونات بعض الدول العربية من أقليات عرقية ومذهبية، لإحداث عدم استقرار وانقسامات فيها([1]). فضلاً عن محاولاتها طمس الهوية العربية القائمة على مفهوم العروبة السياسية، وهو مفهوم يُخضع تلك العلاقة لمعايير وقواعد تميزها عن العلاقات العربية مع الغير وتحكمها الرابطة القومية بضوابطها وقدراتها المعنوية التعبوية.

ولم يقم في سورية نظام على استعداد للمخاطرة بالتحول نحو السلام مع اسرائيل، وظلت سورية تتبنى طوال العقود الماضية ميراث سياسي بين الرفض والتشدد لفكرة التسوية مع اسرائيل، لعدم توافر الارادة السياسية الاسرائيلية لتحقيق سلام عادل وشامل، بل لديها اطماع توسعية في الاراضى العربية. وكان المسئولون السوريون يرون في فشل اتفاق أوسلو بين اسرائيل وفلسطين عام 1994 مثالاً واضحاَ لهذه النزعة التوسعية. فقد سارع رابين فور توقيع اتفاق اوسلو الي التصريح بأنه “لا نقاش حول القدس والمستوطنات ولا دولة للفلسطينين في محادثات اوسلو”([2])، وهو أمر لم يكن مشجعاً لحافظ الاسد للدخول في مغامرة التفاوض مع اسرائيل للبحث عن آفاق للسلام. فقادة اسرائيل، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، تعمدوا لجعل عملية السلام مع باقى الاطراف العربية بلا أفق.

2- الجري وراء سراب السلام الخادع مسئولية من؟

ان الهدف من تحليل هذا الجانب هو التعرف على توصيف للحالة بين الجانبين السوري والاسرائيلي قبل اندلاع أحداث الانتفاضة الشعبية في سوريا (مارس 2011).

فقد جاءت أزمة الخليج (أغسطس 1990) بقيام صدام حسين بغزو دولة الكويت، وما حدث بعدها من تداعيات، وأهمها تعبير سوريا عن رغبتها في التوصل الي سلام عادل ومشرف مع اسرائيل تحت رعاية واشنطن (مؤتمر مدريد 1991)، إلا أن جهود الرئيس جورج بوش (الأب) لم تسفر عن إحداث اختراق في جدار العلاقة السورية الاسرائيلية بسبب التعنت الاسرائيلي، وتوقفت مباحثات السلام لبضع سنوات.

وبمجئ بيل كلينتون على رأس الادارة الأمريكية أبدي رغبته في تجديد جهود السعى نحو السلام، فتجاوب معه الرئيس حافظ الاسد لإعطاء السلام فرصة بعد قرابة عشرين عام على اتفاق كامب ديفيد. وكان على رأس الحكومة الاسرائيلية ايهود باراك، الذي عبر بدوره لكلنيتون عن رغبته في استئناف مباحثات السلام. وكان للتوجه السورى نحو استكشاف الامكانات المتاحة لتحقيق السلام عدد من الاسباب يوضحها فاروق الشرع – وزير الخارجية – ونائب الرئيس السوري السابق بقوله ” اصبح لسورية ما يبرر لها اتخاذ السلام خياراً استراتيجياً، فالاتحاد السوفيتي إنهار منذ مطلع التسعينيات، ولا ظهير مصرياً أو عربياً منذ معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، ولا عمق استراتيجي مع العراق منذ إنهيار المثياق القومي معها، وما اعقبه من حروب عبثية بين العراق وإيران، واحتلال العراق للكويت، ولا أثر يذكر “لاعلان دمشق”([3]).  وفي الواقع كانت هناك عوامل أخري حثت حافظ الاسد على التوجه من جديد نحو استكشاف فرص تحقيق سلام مع اسرائيل في مقدمتها:

  1. انه خلال الاجتماع المغلق بين كلينتون والأسد، سجل الرئيس كلينتون ، وعلى لسان أعلى سلطة أمريكية ممثلة برئيس الولايات المتحدة، بأنه حصل من رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين على إقرار باستعداد اسرائيل للانسحاب إلي خط الرابع من يونيو 1967 في اطار اتفاق متكامل، شريطة “وضع هذا التعهد في جيبه في انتظار توصل الطرفين الي اتفاق حول بقية عناصر الاتفاق”([4]).
  2. بالإضافة لذلك شعور الرئيس حافظ الاسد بضعف صحته فشرع في استكشاف آفاق تسوية مشرفة، وجاءت وفاة ابنه الأكبر باسل، فزاد شعوره بأن عنصر الوقت أصبح ضاغطاً عليه، وبعد تزايد يقينه انه لا يستطيع دخول حرب لتحرير (الجولان) منفرداً، بعد أن بدأ الوضع العربي العام المساند لسورية بالتصدع([5])، فأصبح الرئيس السوري مهموماً بتأمين انتقال سلمي للسطلة لابنه بشار، وإيجاد تسوية سلمية مشرفة للصراع على اسرائيل تمكنه من استرداد الجولان المحتل في حياته.

كل هذه الاعتبارات وغيرها حفزت – سوريا – وقتئذ – على الاستجابة لمتطلبات ودواعي السلام وتمثلت هذه الاستجابة في “قوائم الطاولة الاربعة” – كما اسماها “اسحاق رابين وهى الانسحاب والاجراءات الامنية والتطبيع والمياه” على النحو التالي:

  • بالنسبة لمنطقة الحدود أكد الجانب السوري على اعتبار خط الرابع من حزيران 1967 يمثل المنطلق الأساسي القانوني، وبعد أن نقل الجانب الامريكي اقراراً من اسحاق رابين بقبول ذلك وسمى بـ “وديعة رابين، ولكن الجانب الاسرائيلي تنصل منها، وكان يري أن خط الحدود الدولي عام 1923، هو الخط المقبول اسرائيلياً والزعم بأن ذلك سيعنى – في حالة تنفيذه – التزام اسرائيل فعلا بالانسحاب الكامل من الجولان، وبالمقابل كانت سوريا تري أن تعبير الانسحاب الكامل يعني العودة لحدود الرابع من يونيو 1967 وليس الحدود الدولية، التي سبقت اقامة اسرائيل، وانه لا مجال لقبول حل وسط اقليمي يتنزع اجزاءاً من الجولان تحت أي مسمى([6]).
  • بالنسبة للمياه، فإن لقاء فاروق الشرع يوم 29/9/1999 مع الرئيس الامريكي أبلغه “أن السلام الذي تريده سورية هو سلام حقيقي واذا كان القلق الاسرائيلي هو الحفاظ على كمية المياه الواردة من هضبة الجولان، ونوعيتها، واذا كان هدفهم ابعاد السوريين عن المياه، هو الا يلحق أذي بهم، فإن هذا قابل للحل، لأن هدفنا ليس الحاق الأذي بهم، كما لا نريد أن نقلل من كمية المياه التي يحصلون عليها من الجولان ولا من جودتها، وسيتم تطبيق مبادئ القانون الدولي حول اقتسام المياه والارض المعمول بها بين الدول المتشاطئة لانهار دولية”([7]).
  • بالنسبة للترتيبات الامنية فإنه تم صوغها خطياً، بموافقة سورية واسرائيل والولايات المتحدة (تحت اسم اللاورقة) حددت ثلاثة أهداف (1- تقليص مخاطر الهجوم المفاجئ، 2- منع او تخفيف الاحتكاك اليومي على الحدود، 3- تقليص مخاطر هجوم واسع النطاق).

وفتح هذا التفاهم الاولي بين الجانبين الباب واسعاً امام استئناف المفاوضات على مستوى العسكريين لترجمتها الي صيغة اتفاق تفصيلي وكانت هذه الترتيبات موضع مناقشات واسعة بين حكمت الشهابي رئيس هيئة الاركان السورية وبين نظيره امثون شاحاك رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي وهنا نفتح قوسين (حافظت سورية على الهدوء في منطقة الحدود المشتركة في الجولان منذ عام 1974 ولعدة عقود).

وقد رفض الجانب السوري اقتراحاً اسرائيليا بإقامة محطة للانذار المبكر في الجولان، لان ذلك يعتبر استمراراً للاحتلال.

وقدم الجانب السوري على هذا النحو عرضاً يلبى معظم المطالب الاسرائيلية، وهو عرض لا يستطيع أي طرف لديه رغبة حقيقية في السلام شامل وعادل، أن يرفضه بل البناء عليه، إلا أن الجانب الاسرائيلي رفض الانسحاب لحدود 4/6/1967 وأصر على الحدود الانتداب عام 1923 لأن ذلك كان يعني عودة السوريين الي الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية. وقد أوضح حافظ الاسد “أن باراك بطرحه هذا المطلب، كشف عن حقيقة موقفه وعدم رغبته في السلام.

وبذلك أعلن رسمياً موت عملية السلام([8]) نتيجة أن باراك لم يكن قادراً على إتخاذ القرار “بالاقرار بوديعة رابين” وتنفيذ مضمونها.

ورفض حافظ الاسد التنازل عن شبر من الاراضى السورية، وكان القادة الاسرائيليون – في واقع الامر – يعملون على ابقاء الجولان في قبضتهم ويعتبرونها “غنيمة حرب”، وجاءت أحداث الانتفاضة الشعبية في سوريا (مارس 2011)، كفرصة لاسرائيل لممارسة الضغط على سورية لمحاولة دفعها للاقرار بالأمر الواقع ولتثبيت سيطرتها على هذه الغنيمة، التي أعلنت ضمها في عام 1981، ولم تعترف أي دولة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان وتضغط اسرائيل على الولايات المتحدة في محاولة لدفعها للاعتراف بهذا الضم.

البند الثاني: في طبيعة علاقة اسرائيل ببعض التنظيمات المتطرفة في الساحة السورية

تبنت اسرائيل والادارة الامريكية (وبصفة خاصة في مرحلة باراك أوباما) سياسة العمل على إطالة أمد الأزمة السورية التي بدأت في مارس 2011، والتي تحولت إلي حرب هجينة أهلية / اقليمية/ وذات أبعاد دولية، وأدت إلي حالة من الإنهاك لسوريا سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وصلت بها الي مشارف دولة غير قادرة على اداء وظائفها الاساسية. وكانت اسرائيل تعتقد ان ذلك قد يؤدي الي عجز قوة الدولة السورية أو اضمحلالها وبالتالي كسر الارادة السورية المطالبة باستعادة الجولان.

ويلاحظ أن اسرائيل تجنبت مخاطرة التدخل بقواتها مباشرة في مسارات الأزمة السورية لتكلفتها البشرية العالية، وهى ليست مضطرة لتكبدها، واعتمدت اساساً على سلاح الطيران الاسرائيلي من ناحية، ومن ناحية أخرى أقامت علاقات مع بعض التنظيمات المتطرفة (جبهة النصرة بصفة خاصة) التي برهنت على قدرتها على محاربة النظام السوري، فأمدتها بكميات أكبر من الاسلحة المتطورة وبالأموال([9]) ووجهتها لضرب مواقع عسكرية سورية وايرانية محددة بهدف إدامة الصراع بين مختلف اطرافه، حتى تخرج سوريا منه في النهاية مثخنة الجراح، ولذا قامت اسرائيل بنسج روابط بينهما وبعض التنظيمات المتطرفة لتحقيق هذا الهدف والذي يدخل ضمن مخططها العام المعلن لتفتيت الدول العربية والسعى لاقامة دويلات تحكمها اقليات دينية أو عرقية، حتى لا تكون اسرائيل “كدولة يهودية” الدولة الوحيدة القائمة على عنصر الدين([10]).

ووجدت اسرائيل في اكتظاظ الساحة السورية بمختلف التنظيمات المتطرفة والارهابية والتي تحركها اجهزة مخابراتية، فرصة لعرقلة التوصل الي تسوية سياسية للأزمة السورية المتفاقمة لأطول فترة، واتبعت اسرائيل خطين في هذا الاتجاه:

الأول: مد خطوط تعاون مع بعض التنظيمات المتطرفة في اطار تبادل المصالح المرحلية بعد أن اصبح جنوب الجولان ملاذاً استراتيجياً للمنظمات الرادكالية، وذهبت اسرائيل الي حد تقديم الدعم لها بشكل صريح، من ذلك تصريح وزير الدفاع موشيه يعلون في يونيو 2015، “بأن اسرائيل قدمت مساعدات للجماعات المقاتلة في سورية ضد النظام وبرر ذلك بأنه لضمان أمن الدروز المتواجدين في سورية، من اي تهديدات مفاجئة”. وتصريح عاموس بادلين، رئيس المخابرات العسكرية السابق والتي تضمنت قوله ” أن حزب الله وايران هما التهديد الرئيسي لاسرائيل بدرجة اكبر من التهديد الذي يمثله تنظيمات الاسلاميين السنة المتطرفين، التي تسيطر على نحو ثلثي الي 90% من الحدود في الجولان ولا تهاجم اسرائيل بل تقاتل النظام السوري، مما يشير الي أن هذه العناصر تدرك أن عدوها الحقيقي ليس اسرائيل بالضرورة”.

واتساقاَ مع هذا الموقف فتحت اسرائيل حدودها مع سوريا لعلاج جرحى جبهة النصرة، التي كانت جزء من تنظيم القاعدة، ثم تعيدهم الي المنطقة المجاورة للجولان لمحاربة الجيش السوري وحزب الله اللبنانى. وفي تقدير البعض استحدثت اسرائيل منظومة العلاج الطبي كبوليصة تأمين لتجنب تصعيد اي عمليات ارهابية في الشمال الاسرائيلي. وبالفعل لم تتعرض اسرائيل لأي عمليات عسكرية من هذه الجماعات([11]) ويقدر اجمالي عدد من عالجتهم بثمانمائة فرد، اعتبرهم أحد الكتاب الاسرائليين انهم خير سفراء لاسرائيل!!([12]).

الخط الثاني: رغم تفضيل اسرائيل عدم التدخل في حرب مفتوحة مع سوريا، وتفضيل قيادة الولايات المتحدة لهذا الملف من الخلف، لكن إسرائيل كانت تقوم بالتدخل داخل الاراضى السورية، والعمل منفردة عندما تصبح مصالحها الاستراتيجية على المحك. وحتى قبل اندلاع الثورة السورية (مارس 2011) كانت سورية مستهدفة اسرائيليا وشنت ضدها العديد من الغارات الجوية([13]). واستمرت اسرائيل في القيام بغارات جوية، ضد المواقع السورية بعد الثورة السورية، من ذلك مثلاً الغارة التي قامت بها ضد موقع عسكري في تدمر، وتقدر بعض المصادر ان اسرائيل قامت خلال الخمسة اعوام الاخير بنحو 100 هجوم جوي وصاروخى على مواقع سورية وأخري لبنانية. وكتب عاموس هرئيل المراسل العسكري لصحيفة “هاآرتس” ان اسرائيل ارادت ارسال رسالة مفادها أنه ” يمكنها تعطيل ترتيب المستقبل الذي يتم إعداده في سورية، إذا لم تأخذ المصالح الأمنية لها في الاعتبار”([14]).

وقد سبق لوليد المعلم وزير خارجية سورية في مقابلة مع “قناة روسيا اليوم” يوم 29/2/2015 أن اوضح  “ان اسرائيل كانت ولا تزال خلف كل ما يجري في سوريا ما تقدمه من خدمات لوجستية وعسكرية لجبهة النصرة وتنظيمات ارهابية اخري”.

وهناك نموذج أخر في التآمر على سورية يتمثل في عناصر ما يطلق عليهم “الخوذ البيضاء”. فقوات الاحتلال الاسرائيلي المرابطة على خط الحدود الفاصل مع سوريا، استقبلت 800 من عناصر هذه المجموعة ونقلتهم جواً إلي الأردن، ومنها الي كندا وألمانيا وبريطانيا ليعيشوا هناك كلاجئين، وصرح المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي، ان عملية اجلاءهم كان استجابة لطلب من الولايات المتحدة ودول أوربية، لأن حياتهم كانت معرضة للخطر. وأحد الاسئلة التي يطرحها البعض وهو ما الذي جعل اسرائيل ترتدي ثوباً إنسانياً تجاههم وتستجيب لمطالب أوربية وتنقل عناصر “الخوذ البيضاء”؟ وما الذي يجعل الدول الاوروبية الكبرى حريصة على اجلاء عناصر “الخوذ البيضاء” بهذه السرعة حتي لا يقعوا أسري لدي الجيش السوري؟ وقد اوضح أحد الكتاب ما وراء هذا التصرف بقوله “تتهم هذه المجموعة بأنها جزء اصيل من الجماعات الارهابية التي تحارب الدولة، وإنها كانت ظهيراً ونصيراً لغالبية هذه المجموعات، خصوصاً تنظيم القاعدة او النصرة. ومن جهة نظر الحكومة السورية فإن “الخوذ البيضاء” كانت المروج الأساسى لكل الاتهامات ضد الجيش السوري، بأنه استخدم أسلحة كيماوية، وهي الاتهامات التي استندت اليها كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا في توجيه ضربات جوية ضد قواعد للنظام السوري، لتآليب الرأي العام العالمي ضد سوريا. وفي تقدير الحكومة السورية فإن العدو الاسرائيلي قام بتهريب عناصر “الخوذ البيضاء” بعد ان افتضح أمر ما، وانتهى الدور الموكل اليها، وان الوثائق التي تم العثور عليها في المناطق المحررة، كشفت ارتباط هذه العناصر بالتنظيمات الارهابية، خصوصاً جبهة النصرة”([15]). وقد علقت وزارة الخارجية الروسية على هذه الواقعة بقولها “أن هذه العملية تكشف الطبيعة الحقيقية “للخوذ البيضاء”.

وفي هذا السياق، الا يذكرنا ذلك بواقعة قيام الولايات المتحدة بتأمين مغادرة المئات من عناصر تنظيم داعش وإعادة تدويرهم، ونقلهم من مدينة الرقة باسلحتهم وسياراتهم وعتادهم ، وكان الهدف توفير ممر آمن لهم ليتوجهوا الي دير الزور، وكان لمنع قوات الجيش السوري من استعادة السيطرة على تلك المنطقة الاستراتيجية الواقعة على الحدود مع العراق وللحيلولة دون اقامة ممر طهران – بغداد – دمشق، وهو جانب يتعلق اساساً بعملية تأمين اسرائيل([16]).

الا يدل السلوك الاسرائيلي والتواطؤ الأمريكي- على هذا النحو – على رغبتهما في عرقلة جهود التسوية السورية وإطالة أمد الأزمة السورية؟.

البند الثالث: ما وراء سعي اسرائيل الحثيث لفك ارتباط سوريه بإيران؟

1-في طبيعة العلاقة بين سوريا وايران

واصلت سوريا بسط سيطرتها على باقي المناطق السورية وحققت نتائج نوعية، واستطاعت تحقيق ذلك بفضل الدعم الإيراني والروسي. وبالنسبة لتطور علاقة سوريا بإيران، نجد أن سوريا سعت إلى إقامة علاقة خاصة مع ايران في مرحلة حافظ الأسد، لموازنة متغيرات الوضع الإقليمي والدولي التي تعرضت لها سوريا، ومنحت هذه العلاقة الدولتين قدره افضل للتعامل مع المخاطر والقضايا الإقليمية. وكانت هذه العلاقة بمثابة رابطة تأمينية يصعب على سوريه التفريط فيها، والقفز في الفضاء السياسي المجهول من دون توافر ضمانات بديلة وذات مصداقية تتعلق بالتوصل إلى تسوية متوازنة للمسار السوري الإسرائيلي.

وقد رسخ وقوف سوريا إلى جانب ايران طوال الحرب الإيرانية العراقية (ثماني سنوات)، التحالف الإستراتيجي بين البلدين وديمومته. وبعد اكتشاف النوايا الإسرائيلية تجاه الجولان، وتدهور النظام الإقليمي العربي، تحول “تحالف الضرورة” الذي تم في عهد حافظ الأسد الى “تحالف المصير المشترك” بينهما في عهد بشار، والذي توج بإتفاقية الدفاع المشترك 2018.

وقد خسرت ايران أكثر من الفي عسكري في سوريا منذ أن بدأت في دعم النظام السوري وحتى الآن، واستثمرت في سوريا ما يقرب من 30 مليار دولار، وايران بلا شك عازمة على جني المكاسب، ويصعب عليها الإنصياع للمحاولات الإسرائيلية /الامريكية لفك ارتباطها بسوريا. وقد عبر متحدث بإسم الخارجية الإيرانية عن ذلك بقوله: طالما كانت الحكومة السورية تريد منا البقاء، فإن إيران ستحافظ على وجودها في سوريه وستقدم دعهما لهذه الحكومة. وبالمقابل حاول بشار الأسد التقليل من حجم القوات الإيرانية المتواجدة في سوريه بقوله في مقابلة تليفزيونية روسية “لم يكن هناك قط قوات إيرانيه داخل سوريه، ولكن لدنيا ضباط ايرانيون يعملون مع الجيش السوري للمساعده”([17]).

وفي ظل الظروف الإقليمية والدولية السائدة فإن بشار الأسد ينظر للوجود الإيراني كضمانه أساسيه لنظامه. وفي الواقع فإن إيران تنظر لوجودها في سوريه على أنه يعزز نفوذها الجغرافي في المنطقة التي تضم العراق ولبنان وغيرهما، وتعتبر هذا التواجد الجغرافي مساحة ميدانية ايرانيه متقدمة تشكل حزاماً أمنياً لها لمواجهة مختلف الإحتمالات والمخاطر.

وبالمقابل عبرت اسرائيل عن قلقها من التواجد الإيراني في سوريه واعتبرته يمثل تهديداً أمنياً لها، وطالبت بإبعاده بمسافة خمسين كيلو متراً، خصوصاً في المناطق القريبة من خط الفصل في الجولان. وأجرت إتصالات مع الجانبين الأمريكي والروسي في هذا الإتجاه مدعية أن هذا التواجد يمثل جبهة ثالثة بجانب جبهتي جنوب لبنان وغزة، وجرت مشاورات على أعلى مستوى بين اسرائيل وروسيا في هذا الشأن عبر آلية التنسيق العسكري وتم التواصل إلى تفاهم يتعلق بذلك. ولم تكتف إسرائيل بذلك، بل قامت بتوجيه عدة هجمات جوية ضد مواقع التواجد الإيراني تسببت في خسائر جسيمة بها ولم تتصد الدفاعات الجوية الروسية للطائرات الإسرائيلية المهاجمة، وذهب المحللون السياسيون في تفسير الموقف الروسي في إتجاهات شتى([18]).

وأتبعت اسرائيل في مواجهة المليشيات التابعة لإيران اسلوب الردع التراكمي، لإلحاق هزائم متتالية بها، مما يجعل المواجهة العسكرية غير ورادة في خياراتهم وإجبارها على تفكيك بنيتها أو تجميد نشاطها([19])، ولكن القادة  الإسرائليون يتجنبون – حتى الآن – الإنزلاق نحو حرب واسعة مع ايران، وهو نفس التوجه الإيراني لإعتبارات مختلفة. وتعتبر اسرائيل الرئيس السوري أهم حليف لإيران في العالم العربي، والذي من الممكن أن يوفر لإيران إمكانية الوصول إلى حدود اسرائيل الشمالية، ومن هنا تعمل على تحريك بوصلة التوجه السوري في أتجاه متباعد عن إيران، تمهيداً لفك ارتباطاهما.

وبالمقابل فإن دمشق لا تستطيع الإقدام على خفض مستوى ارتباطها بطهران في ظل الظروف والأوضاع الراهنة التي تتسم بالغموض والمخاطر، لاسيما وأن الجانب الإسرائيلي لم يقتنع بعد بجدوى السلام، وهدفه مجرد كسب الوقت لتنفيذ باقي مخططاته التوسعية.

ويلاحظ أنه في إطار انسحاب واشنطن من الإتفاق النووي مع ايران تطالب الولايات المتحدة إيران ضمن مطالبها الإثنى عشر، بالكف عن التهديد بالقضاء على إسرائيل والهجمات الصاروخية على السعودية والإمارات. ومن الملاحظ هنا الجمع المقصود بما تمثله ايران من تهديد لإسرائيل والدول العربية في الرؤية الأمريكية([20]). ومن هنا يرى البعض أن الهدف من ذلك إشغال العالم العربي عن قضاياه القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية([21])،إحداثتقارب بين إسرائيل والدول العربية.

2-معضلة الصواريخ: مواجهات جوية ونتائج سياسية غير متوقعة

يلاحظ أن من بين الشروط التي حددها مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي في 21/5/2018 لبدء مفاوضات جديدة مع ايران، “التوقف عن تطوير وتصدير الصواريخ الإيرانية البالستيه”.

وتجدر الإشارة إلى أن ايران قصفت مقراً سورياً لما أسمته “قادة هجوم مدينة الأهواز” والذي وقع خلال شهر سبتمبر 2018، والذي أسفر عن عدد من القتلى والجرحى خلال استعراض عسكري في هذه المدينة، وانطلقت الصواريخ الإيرانية من مدينة كرامانشاه غربي ايران، مجتازة الإجواء العراقية لتصل إلى مدينة البوكمال شرق سوريا الفرات يوم 2/10/2018، مستهدفة مسلحين من “فيلق الشام” اتهمتهم ايران بتنفيذ هذا الهجوم. والرسالة التي أرادت طهران ارسالها لعدة اطراف هي إثبات قدرة صواريخ ايران على التصدي لأي عمليات ضدها.

وظل الصراع بالصواريخ مستمراً بين الجانبين إلى أن حدثت واقعة اسقاط طائرة اليوشن روسية في شهر اغسطس 2018 وترتب عليها مقتل 15 من العسكريين الروس قرب ساحل اللاذقية. ووفقاً للمصادر الروسية، فإن الطائرات الإسرائيلية التي كانت تقوم بهجوم على بعض المواقع السوريه، إختبأت خلف الطائرة الروسية، وتصدت المدفعية السورية لها، فأسقطت الطائرة الروسية، بدلاً من الهدف المقصود هو الطائرات الإسرائيلية المهاجمة، وأعتبرت السلطات الروسية المختصة أن اسرائيل هي المسئولة عن هذا الحادث، ولكنها أصرت على النفي. وقد ترتب على ذلك قرار روسي، أثار مخاوف اسرائيل وازعج قادتها العسكريين. فقد قررت روسيا تزويد سوريا بمنظومة الدفاع الجوي الروسي أس 300، وفشلت كل الجهود الإسرائيلية في دفع روسيا للتراجع عن هذا القرار، الذي تعود أهميته الى أنه سيؤدي الى تحولات استراتيجية على الساحة والأجواء السوريه، فهذه الصواريخ ستقيد نسبياً من حرية عمل سلاح الطيران الإسرائيلي في سماء سوريا، فإسرائيل كانت تتمتع بقوة ردع شبه مطلقة عبر سلاح طيرانها، والصواريخ التي زودت بها سوريا ستعيد السيطرة السيادية الدفاعية النسبية لها. فمنظومة اس – 300 الروسية ستمثل عقبه أمام مناورة وحرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في سماء سوريه، فهذه الصواريخ قادرة على اعتراض طائرات وصواريخ بالستيه على ارتفاع كبير وعلى مسافة عشرات ومئات الكيلومترات([22]). وعلى أية حال فإن هذه الصواريخ وإمداد القوات السورية بها، اضافة الى منظومات التحكم في تحديد كل الأهداف الجوية في المنطقة يعتبر قراراً استراتيجياً، سيمنح سوريا القدرة على التحكم في مساحات شاسعه من المجال الجوي لإسرائيل([23])، وستؤثر إلى حد كبير على حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل القرار الروسي في هذا الشأن يعني تحولاً جوهرياً في مواقف روسيا تجاه الأطراف ذات العلاقة بالأزمة السورية؟ أم أنه مجرد قرار تكتيكي مرحلي؟

يرى البعض أن روسيا حريصة على علاقتها بإسرائيل وتعطي هذه العلاقة إهتماماً خاصاً، وهناك تفاهمات روسية اسرائيلية عن المدى الذي تتدخل فيها اسرائيل في مسرح العمليات السورية([24]). بينما يرى أخرون أن العلاقات بين روسيا واسرائيل بلغت درجة التحالف، وتصر اسرائيل على ابعاد الوجود الإيراني عن حدودها الشمالية، في الوقت نفسه تحرص روسيا قدر الإمكان على تحقيق درجة من التوازن في علاقتها بإيران واسرائيل في الساحة السوريه، ويضيفون أن اسرائيل بوصفها لاعباً اقليمياً هاماً لديها القدرة على التأثير سلباً في مخططات روسيا ومشروعاتها في الشرق الأوسط([25])، واسرائيل تراهن على الوقيعة بين روسيا وايران، عبر الترويج بأن الفوائد من العلاقات الروسية الإسرائيلية تفوق ما يمكن أن تجنيه روسيا من التحالف مع ايران([26]).

وأياً كانت هذه الآراء التي تلامس حقائق الوضع على الساحة السورية ومتغيراتها فإننا نعتقد أن الرئاسة الروسية أتخذت قرار تزويد سوريا بمنظومة من الدفاع الجوي أس-300 كان له عدة أهداف يأتي في مقدمتها :استيعاب التداعيات السلبية داخلياً الناجمة عن اسقاط الطائرة الروسية والتي راح ضحيتها 15 عسكرياً روسياً، إضافة إلى توجيه رسالة لإسرائيل بأن روسيا وإن كانت قد منحت اسرائيل ضوء أخضر للقيام بعمليات جوية تستهدف الوجود الإيراني، فإنه بتزويد سوريا بهذه الصواريخ ترسم خطاً أحمر مفاده أن هذا الترخيص ليس مفتوح النهايات، بل له حدود وترد عليه قيود، وأن روسيا لن تسمح بالتجاوزات الإسرائيلية التي تؤدي إلى تعديل جوهري على المخطط الروسي الذي تسعى إلى تحقيقه من خلال حل وسط مرحلي للخروج من المأزق السوري الحالي. وفي هذا الإطار فإن القيادة الروسية، وإن كانت ترى أن تحجيم الوجود الإيراني يخفف من وضع شريك صعب لديه أجندته الخاصة والتي لا تتفق معه دائماً في الرؤية العامة التي تبلورها، فإنها مازالت في حاجة للحليف الإيراني على المستوى الميداني في المرحلة الراهنة، وترى أن الإنسحاب الإيراني الكامل من الأراضي السورية دفعة واحدة أمراً غير وارد، في ظل المعطيات الحالية،  فهو يعطي إشارة سلبية عن تراجع إيراني داخل ايران، لا سيما في ظل الموقف الأمريكي الراهن تجاه ايران. ولذا لكل هذه الأسباب وغيرها فإن الاكتفاء بمقترح إبعاد التواجد الإيراني من المناطق القريبة من الحدود مع اسرائيل، يعتبر أمراً مقبولاً وكاف، ويمكن تسويقه داخلياً في إيران وهو ما تم بالفعل، كحل وسط مرحلي.

ملاحظات ختامية:

  1. اتبعت اسرائيل في بدايات أحداث الازمة السورية الممتدة اسلوب الصمت، وظلت تراقب تطورها، وامتنعت عن التدخل مباشرة فيها، وترك أطرافها يتقاتلون في مستنقعها، لينهك كل منهما الآخر، ولإحداث التآكل الذاتي الذي ربما يؤدي – في التقدير الاسرائيلي – الي التداعى الداخلى وسقوط النظام السوري في النهاية. ولهذا فضلت اسرائيل ان يمتد أمد الثورة لأطول فترة ممكنه لاستنزاف الدولة السورية وإضعافها، وانهاك الشعب السوري. وبعد مرور عام على بدء الثورة، وإتضاح عمقها وشموليتها واستمراريتها، وما رافق ذلك شحن دولي ضد النظام السوري غيرت، اسرائيل موقفها، وخرجت عن مرحلة الصمت، وبدأت تتدخل عسكرياً وبشكل مباشر في الساحة السورية، ولبست ثوب التعاطف مع الشعب السوري عن طريق إظهار اسرائيل في موقف المساند للقيم الانسانية، وسعت تصريحات المسئولية الاسرائيلية في نفس الوقت الي ربط إيران ومليشياتها بالمجازر التي يرتكبها النظام السوري للتحريض ضدهما.([27]) ثم بدأت سياسة الاعتداءات الجوية المتكررة على مختلف المناطق السورية. وكشفت اسرائيل عن نواياها الحقيقية في إضعاف الطرف السوري الرافض للقبول بالسلام العبري.
  2. أن مطالبة سورية باستعادة الجولان يعد أمراً مشروعاً، وتعززه القرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن، وسعى قادتها للتوصل لحل تفاوضى ولكنها اصطدمت بالمراوغة الاسرائيلية.  فقادة اسرائيل يرون أن انسحاب اسرائيل من الجولان امر غير مطروح سواء في الحاضر أو في المستقبل واعلن نتانياهو في 17/4/2016 ان الجولان سيبقى جزءً من اسرائيل إلي الأبد، فاسرائيل تعلى من دور القوة في علاقاتها بالدول العربية. وتتبني سياسة الاستيلاء على المزيد من الاراضى العربية المحتلة بالقوة.
  3. وفي الواقع فإن سوريا كانت تمثل قلب شبكة معادية ومقاومة للاطماع الاسرائيلية التوسعية، ولذا اصبحت مستهدفة لاستكمال أبعاد الحقبة الاسرائيلية. ولهذا فضلت اسرائيل ان تبقى جارتها سورية، أسيرة توازن الفوضى بحيث لا ينتصر النظام ولا تهزم الملشيات المعارضة، حتى تبقى الساحة السورية في حالة استنزاف متواصلة قد تنتهى في آخر الأمر إلي احتمال تقسيم سورية أو تقويضها وإلغاء دورها وطنياً وقومياً.
  4. واسرائيل في سعيها لتقليص التواجد الايراني، ان لم يكن إبعاده تماماً عن الساحة السورية، تتصرف كما لو كانت طرفاً منتصراً في الحرب الاهلية/ الاقليمية / في سورية، وتسعى لكسر إرادتها وتقطيع أوصال جغرافيتها و”الهدف النهائي لاسرائيل هو بلقنة سوريا”([28])، ولهذا سعت لفك ارتباطها بإيران التي تشكل أحد الداعمين الرئيسين لسوريا في أزمتها الراهنة.
  5. وأحد نتائج إطالة أمد الأزمة السورية، تراجع المساعى لحل القضية الفلسطينية الي الدرجة الثانية، وتداعي الجهود العربية الداعمة لها وهو من بين أهداف اسرائيل.

([1]) أكد إبا ايبان وزير خارجية اسرائيل الاسبق أن اسرائيل تبنت مشروع تجزئة العالم العربي. انظر كتابه Abba Edan”Reality and Vision in the Middle East,” Foreign Affairs, vol.43, no 4 (June 1965),626.

([2]) فاروق الشرع، الرواية المفقودة، المركز العربي للابحاث ودراسة  السياسات، بيروت 2015، ص 291

([3]) فاروق الشرع، المرجع السابق

([4]) المرجع السابق ص 319

([5]) فاروق الشرع، مرجع سبقت الاشارة اليه، ص 37

([6]) بثينة شعبان، عشرة اعوام مع حافظ الاسد 1990 – 2000، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة السابعة، مارس 2016 ص 233

([7]) فاروق الشرع، مرجع سبقت الاشارة اليه ص 403

([8]) فاروق الشرع، مرجع سبقت الاشارة اليه 392 – 394،وهنا أشير الي ما نشره الصحفى عكيفا الدار في صحيفة هاآرتس بتاريخ 12/8/2003 تحت عنوان” جين باراك حال دون التوصل الي سلام مع سوريا” واشار فيه الي الفيلم الوثائقى المعنون”الحلم الذي تقوض، وجزم فيه ثلاثة متحدثون رفيعو المستوى وشاركوا في المفاوضات وهم مارتين انديك ودينس روس وعميد احتياط اروى ساجي الذي رأس الجانب الاسرائيلي في مباحثات ديسمبر 1999، أن اسرائيل اضاعت فرصة سلام حقيقية مع سورية نتيجة جبن باراك بحجة ان الجمهور الاسرائيلي لن يفهم كيف يلتزم فجأة وفي بداية المفاوضات بالانسحاب من هضبة الجولان وأنه في حاجة لتهيئة الرأي العام الاسرائيلي. إلا أن وسائل الاعلام الاسرائيلي بدأت توحى بأن اسباب الفشل تعود للتعنت السوري، وان ذلك قد حدث بسبب الخلاف على قطعة  من الارض بعرض 500 متر على شاطئ بحيرة طبريا طلبت اسرائيل الاحتفاظ بها ورفضت سورية. هكذا!!؟

ورغم التعنت الاسرائيلي الواضح حمل كلينتون بدوره فشل قمة جينيف للرئيس الاسد ولكنه تراجع بعد ذلك في مذكراته “حياتى” واعتبر أن باراك قد خيب امله لأنه لم يفصح عن نياته في مفاوضاته مع السوريين.

([9]) طالع رأي عاموس يدلين، مدير معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي، في مختارات من الصحف العبرية23/5/2016 والتي نشرتها مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد 463 سبتمبر 2017.

([10]) في حوار مع جيفري غولدبيرج من صحيفة اتلانتيك بعد فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2016 تضمن قوله” أن أفضل وضع  في سوريا هو إنشاء دولة تقوم على الكانتونات وتقسيمها الي مناطق بحسب الطائفة الموجودة فيها” انظر في هذا الشأن منصور عبد الحليم هنري كيسنجر: عراب النظام العالمي الجديد ومهندس شرعية القوة والفوضى، دار الكتاب العربي، دمشق القاهرة، الطبعة الاولي 2018، ص 240 وتجدر الاشارة الي أن اسرائيل قامت بعد حرب يونيو 1967 بمحاولة لانشاء دولة درزية بعد احتلالها لمحافظة القنيطرة السورية. وحاولوا التقرب بشتى الطرق من الدروز في الجولان وخاصة مع الشخصيات ذات الوزن ومن بينها بيت الكينج في مجدل شمس باعتباره البيت المنفذ الأول في هذه المنطقة. وبدء بتنفيذ المخطط الاسرائيلي بإنتداب كمال الكينج للإتصال بدروز سوريا ولبنان. وكانت حدود الدولة الدرزية المقترحة تمتد من جبل الدروز الي الشاطئ اللبناني محيطة بإسرائيل وتشمل القنيطرة وقضاء قطنا وضواحى دمشق وبعليه قرب الغوطة الدرزية فقضاء حاجيبا وراشيا ثم الشوف وقضاء عالية وبلدة الشويفات. ولكن هذا المشروع فشل لانه لم يلق تأييداً من الشخصيات الدرزية.

انظر في هذا الشأن غالبة ابو صلح، الدروز في ظل الاحتلال الاسرائيلي، منشورات مكتبة العرفان، بيروت 1975،ص 247 -252 ولا يتسع المجال لذكر أمثلة اخري.

وانظر ايضا مقالنا المعنون “تأثير مواقف ايران وتركيا واسرائيل على جهود مكافحة التطرف والارهاب” والمنشور في مجلة شئون عربية العدد رقم161ص30

([11]) د.بورا ماهر،”طبيعة التدخل الاسرائيلي في سوريا”، مجلة دراسات اسرائيلية، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، العدد 258- يونيو 2016 – ص 12.

([12]) Yael Lerer’ Indignation (selective) dans les rues d’Israel” Le Monde diplomatique , Septembre 2011

([13])من بعد ذلك مثلا أن اسرائيل قامت في اكتوبر 2003 بقصف هدفاً قرب دمشق بدعوى ارتباطه بأنشطة ارهابية وكان ذلك أول هجوم من نوعية في عمق الاراضى السورية منذ حرب اكتوبر 1973. وانظر نزار عبد القادر “الاستراتيجية الاسرائيلية وكيفية مواجهتها الانتشار الايراني في سورية”، الحياة 16/1/2018.

([14]) صحيفة الشرق الاوسط، لندن، 8/9/2017ص 6

([15])عماد الدين حسين”المسافة الفاصلة بين العملاء وملائكة الرحمة” جريدة الشروق، القاهرة، 25/7/2018 ص 2 ويشير مصدر أخر أن واشنطن دفعت هؤلاء لتصوير افلام عن الهجوم الكيماوي المزعوم نشرها في وسائل الاعلام الدولية، انظر د. عمرو عبد السميع”إدلب وانتخابات الكونجرس” صحيفة الاهرام، 29/8/2018 ص 12

([16]) لمزيد من التفاصيل انظر مقال منال لطفى:”داعش” يستعبد قوته في سوريا، الاهرام، القاهرة 21/7/2018 ص 7.

([17]) مختارات ايرانية، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، الأهرام العدد رقم 206- يوليو 2018 ص 12-13.  

([18]) يذهب البعض إلى القول يحتمل أن بوتين زود الجانب الإسرائيلي بإحداثيات هذه القواعد وأن ذلك يعتبر موقفاً (مهادناً لإسرائيل) أنظر في هذا الشأن: د.رضا شحاته، “تفاعل العلاقات بين اسرائيل وروسيا: التناغم والتنافر” مجلة شئون عربية العدد رقم 175 – خريف 2018.

([19]) محمد عبد الله يونس، “طور جديد من الردع في مواجهة التهديدات غير التقليدية” تحولات استراتيجية، ملحق مجلة السياسة الدولية ، القاهرة، العدد 213- يوليو 2018، ص 20.

([20])محمد سعيد أبوعامود، “موقع اسرائيل في الأزمة الأمريكية الإيرانية”، مجلة السياسة الدولية، العدد رقم 214 – اكتوبر 2018.

([21]) د. مدحت حماد، “التفاوض الإيراني الأمريكي: خيار أم وسيلة”، مجلة السياسة الدولية،  القاهرة، العدد رقم 214 – اكتوبر 2018.

يرى الكاتب د. محمد السعيد ادريس، أن اسرائيل عملت على الترويج لتأسيس تحالف مع ما تسميه الدول السنة المعتدلة للعمل ضد ما تراه هلالاً شيعياً تقوده ايران، وعملت جاهدة للترويج لإعتبار إيران هذا العدو الإقليمي، في محاولة لتنصل اسرائيل من التزاماتها الخاصة بالقضية الفلسطينية، وأعتبر الكاتب أن هذا الأمر يعد انحرافاً خطيراً في مجرى الصراع التاريخي والإقليمي بين العرب وإسرائيل تحت غطاء العداء لإيران، أنظر مقاله المعنون بـ”محددات التعاون المصري الخليجي في ضوء تطورات الأزمة الأمريكية الإيرانية” في مجلة السياسة الدولية،  القاهرة، العدد رقم 204 – اكتوبر 2018 ص 125.

([22]) يوسي ميلمان، “الهجمات الإخيرة ضد سوريا المنسوبة لسلاح الجو الإسرائيلي”، مختارات اسرائيلية، الأهرام، القاهرة، العدد 281 – يونية 2018.

([23]) د. سامي عماره،”هل يمكن أن تتراجع موسكو عن قرار تسليح أس 300 لسوريا؟”، الأهرام 26/9/2018.

([24])عزمي بشاره، سوريه: حرب الالام نحو الحرية، محاولة في التاريخ الراهن، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة الأولى أغسطس 2013، ص 576

([25])د. رضا شحاته، مرجع سبقت الإشارة اليه، ص 30-31

([26])د. مصطفى السعيد، “بوتين بين ايران واسرائيل” ، الأهرام  14/10/2018

([27])انظر في هذا الشأن كتاب د.عزمى بشار، سورية: درب الالام نحو الحرية، محاولة في التاريخ الراهن، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة الاولي اغسطس 2013، الصفحة 573 وما بعدها.

([28])يفضل هنرى كيسنجر”بلقنة سوريا، فسوريا حسب رأيه، كالعراق، ليست دولة تاريخية بل مصطبغة حُلتها الفرنسيون في شكلها الحالي عام 1920 كما فعل البريطانيون وقتها بالنسبة للعراق، بهدف تسهيل السيطرة عليه لاحقاً وهاتان الدولتان تضمان قبائل واثنيات وطوائف مختلفة دخلت اليوم في حرب طاحنة فيما بينها” ورد ذلك في كتاب كيسنجر، النظام العالمى الذي نشر في 9 سبتمبر 2014.

اظهر المزيد

د. مصطفى عبدالعزيز

دبلوماسي سابق وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى