2019إعتراف أمريكا بسيادةإسرائيل على الجولانالعدد 178

فرض السيادة على الجولان من وجهة نظر الحركة الصهيونية

الخلفية التاريخية

من قُدر له أن يقرأ قراءة مدققة مراحل تطور الحركة الصهيونية حتى قبيل اليوم الأول لإعلانها في مدينة بازل السويسرية عام 1897 بسنوات عديدة يدرك أن التفكير وربما التخطيط الصهيوني وزعامته حرصوا على توثيق (التأكيد بالوثائق) العلاقات التاريخية بين اليهود والجولان والحوران كما وردتا في أسفار التوراة، وما دار حولها من حروب ومعارك طاحنة كما وردت في الرواية اليهودية.

وحتى إذا ما بدأنا قبل الحركة الصهيونية دون حاجة إلى العودة لأسفار التوراة (سفر أشعيا) لرأينا أن الرواية الصهيونية تقول بأنه قد عثر على حفريات أثرية في مرتفعات الجولان وأنه قد وجد 25 معبدا يهوديا في الفترة التي يطلق عليها “حركة التمرد اليهودية” خلال القرن الأول الميلادي وعصر الفتح الإسلامي منتصف القرن السابع الميلادي.

ولما ظهرت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، اعتبرت الجولان جزءًا من الأرض التاريخية للشعب اليهودي، وبدأ تأسيس الطوائف اليهودية عام 1891 في منطقة الجولان وحوران شمال مدينة القنيطرة وجنوب نهر اليرموك وشرقي جبل الدروز وغرب هضبة الجولان .

استغلال المال بعد استغلال الدين

وفى عام 1895 بعد أن اشترى البارون اليهودي “دي روتشيلد” مساحة 150 مائة وخمسين كيلو متر مربعا، من الأرض، وكان اليهود الأوائل قد شرعوا في تأسيس الطوائف اليهودية في منطقة الجولان، فواجهت في البداية عدة هجمات من العرب ومن السلطات العثمانية، وعزلة عن باقي الطوائف اليهودية، وإذ بخطورة الموقف الذي تتعرض له الطوائف اليهودية في الجولان قد بلغ ذروته.

الجولان مع بداية الحركة الصهيونية ونقطة التحول التاريخية.

كانت نقطة التحول التاريخية كما أصبح معروفا فيما بعد هي مؤتمر 1897، وذلك حين حدد “أبو الحركة الصهيونية” أهدافها الأولى بإنشاء وطن قومي لليهود والاستيطان فيما سماه “أرض إسرائيل” وبرغم رحيل كثير من اليهود بسبب أحداث الحرب العالمية الأولى، ظلت أرض الحوران المملوكة للبارون دي روتشيلد وجمعيته استعمار اليهود لفلسطين PICA مستمرة بموجب عقود استئجار بمعرفة السكان المحليين العرب، وكانت الضرائب تدفع لسلطات الانتداب الفرنسي.

الجولان والحرب العالمية الأولى

قبل نهاية الحرب العالمية الأولى، بدأت الحركة الصهيونية تعلن مطلبا عاما وهو أن تضم الدولة اليهودية التي سوف تنشأ في أرض إسرائيل في وادي البقاع بين جبل لبنان وجبل الهرمون، ومرتفعات الجولان، ووادي اليرموك، أما اقتراح ضم الجولان داخل أراضي إسرائيل فقد كان مستوحى أو مستمدا من المطالب والاحتياجات الزراعية، ولضمان توفير مصادر المياه داخل حدود إسرائيل، ومن نهر الأردن والقطاع الأردني، ونهر الليطاني ونهر اليرموك وجبل الهرمون، ونهر الزرقا.

ومن الواضح أن الحاجة الشديدة للمياه في الدولة التي يجري الإعداد لها (إسرائيل) هي أحد الأسباب الرئيسية وراء مطلب الحركة الصهيونية “إعلان بلفور” عام 1917.

وفى عام 1917 امتدادا للخطوات التصاعدية عاما بعد آخر للسيطرة الكاملة على مرتفعات الجولان ضمن سيادتها داخل حدود (إن كانت هناك حدود) لإسرائيل استنادا لإعلان بلفور (كما يسمى “بوعد بلفور”) لإنشاء وطن قومي لليهود، تكررت المطالب الصهيونية منذ 1897 بالسيطرة على مرتفعات الجولان، وإذا نظرنا بنظرة مستقبلية من خلال تلك الرؤية اليهودية، لمسنا إصرارا غريبا، ورأينا تحالفات متقلبة طبقا لتغير موازين القوى الدولية ، شرعت الحركة الصهيونية منذ هذا التاريخ المبكر تروج لحدود إسرائيل القادمة في كتاب بعنوان أرض إسرائيل نشر عام 1918.

وكان “بن جوريون”، وإسحق بن زفي ، الرئيس الثاني لإسرائيل قد طرحا تصورهما لتلك الحدود القادمة، وأكدا الأسباب الاستراتيجية والاقتصادية لضمان قيام دولة قوية حديثة وقد استمرت جهود الحركة الصهيونية وأنشطتها في زيادة عدد السكان اليهود في مرتفعات الجولان وحوران بل وجعلت تلك الزيادة خاصة بعد الحرب العالمية الأولى إحدى أولوياتها، وظلت وحدات ما يسمى “بلواء العمل” وأعضاء الدفاع المسماة منظمة الحراسة تدرس وتبحث وتتجول في المنطقة المسماة بأرض إسرائيل من أجل تقييم مدى الحاجة إليها، وفى نفس الوقت، ظل زعيم المنظمات الصهيونية العالمية “حاييم وايزمان” يحث ويدعو لدعم إسرائيل لبلوغ هذا الهدف من خلال اتصالاته الدبلوماسية.

الجولان في مؤتمر فرساي للسلام في أعقاب الحرب العالمية الأولى

في عام 1919 عندما عقد مؤتمر فرساي للسلام في باريس قدمت الحركة الصهيونية مذكرة عن حدود الدولة المرتقبة الموعودة تضمنت أن الحدود الشمالية للدولة اليهودية تشمل مرتفعات الجولان، وإن كانت الحدود الشمالية التي اقترحتها المنظمات اليهودية في الشمال تختلف قليلاً إذ كانت تتجه جنوبا نحو مدينة صيدا ثم باتجاه الشرق الذي يتحول جنوبا مرة ثانية على امتداد خط يفصل سفوح المنحدرات الشرقية عن المنحدرات الغربية بجبل الهرمون ثم تستمر خطوط تلك المنطقة بالتوازي مع سكة حديد الحجاز (أي تشمل كل سوريا الحالية تقريبا وفلسطين باتجاه الحجاز).

ومن أجل هذا الهدف ـ الحدود المطلوبة للدولة اليهودية الموعودةـ عملت الحركة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى ومنذ مؤتمر فرساي 1919 في معظم المنابر والأروقة الدبلوماسية المناهضة ضد فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من أجل الاعتراف بحدودها الجديدة المقترحة.

الموقف الأمريكي من الدعوة لضم الجولان لليهود

أما الولايات المتحدة، فهي ـ كما تبين الوثائق ـ ومنذ مائة عامـ فقد اعترفت بالحدود التي طالبت بها الحركة الصهيونية في مذكرتها تلك ، كما أيدت أيضا الحاجة إلى دعوة اليهود إلى أرض إسرائيل داخل الحدود التي يمكن أن تضمن للدولة اليهودية المرتقبة السيطرة على موارد المياه فوق جبل الهرمون.

ولابد في هذا السياق وأن نتوقف قليلاً لنبين كيف أن الموقف الأمريكي اليوم، وبعد مائة عام (1919ـ 2019) أعاد تأكيد نفس هذا الموقف بقرارين تاريخيين، الأول عام 1947 بعد أقل من خمسين عامًا من قرار تقسيم فلسطين رقم 181 لعام 1947 وإن لم يحدث مطلقا أن استخدمت الوثائق الإسرائيلية اسم أرض فلسطين، بدلاً من أرض إسرائيل، أما المرة الثانية أو القرار الثاني الأحادي الأحدث فهو قرار الرئيس ترامب في 20 مارس 2019 (بعد مائة عام تماما) بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان ضمن حدود إسرائيل، وفى تقديري أن الولايات المتحدة لم تفعل في خطوتها الدبلوماسية غير المسبوقة بالاعتراف بسيادة دولة محتلة على أرض الجولان السورية العربية المحتلة في حرب 1967 أكثر من أنها كانت تنفض التراب عن تلك المذكرة القديمة للحركة الصهيونية والمطلب القديم لها، وعن الموقف الأمريكي منذ مؤتمر فرساي (وان لم يكن قد تم تفعليه في ذلك لانسحاب الولايات المتحدة من المؤتمر عندئذ) لكنها أي واشنطن قد وافقت بالتأكيد على ما تراه الحركة الصهيونية من أن قدرة الدولة الحديثة ـ إسرائيل على البقاء والاستمرار مرهون بتوافر التنمية الزراعية التي هي مشروطة أيضا بتوافر المياه.

أما موقف الحركة الصهيونية الذي يعتبر الجولان جزءًا من الدولة اليهودية فقد ظل ثابتا لم يتزعزع حتى بعد اتفاقيات فرنسا وبريطانيا خلال عشرينات القرن الماضي، وبعد أن استبعدت أراضي الجولان من السيطرة البريطانية (ظلت سوريا بما فيها الجولان تحت الانتداب الفرنسي)

لكن الحركة الصهيونية لجأت إلى أسلوب آخر هو طريق المال، أي شراء الأراضي منذ عام 1924 بمعنى أنها إن لم تستطع الاستيلاء على الأرض باستيطان اليهود بشراء الأراضي للطوائف اليهودية داخل منطقة حوران، لكن مثل هذا الأسلوب في السيطرة على الأراضي واجه الفشل حين تبين للعرب أن الحركة الصهيونية هي التي تقف وراء الاندفاع لشراء الأراضي، وإن كان ذلك يدل على شيء، فهو يدل على أن منهج الحركة الصهيونية ـ في تقديري ـ وحتى قرار الرئيس ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان لم يتغير منه شيء.

الجولان والحرب العالمية الثانية

قبيل الحرب العالمية الثانية، اتجه الساسة الإسرائيليون عام 1938 إلى طريق جديد هو محاولة التقسيم للأراضي في المناطق الشمالية في بحيرة طبرية إلا أن الوكالة اليهودية لعبت دورا يماثل دور الحركة الصهيونية في اتجاهاتها فقدمت مذكرة تؤكد فيها أهمية الجولان كجزء من أرض إسرائيل ذلك أن تلك المذكرة التي قدمتها الوكالة تسجل أن المنطقة بين الحدود الشمالية لأرض إسرائيل ونهر الليطاني وبين أرض الجولان يحدها جنوبا اليرموك وغربا نهر الأردن وظلت تعتقد أن تلك الأراضي جزء من أرض إسرائيل التاريخية”

ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية 1944 وانتهاء الانتداب الفرنسي على سوريا، تم تسليم الجولان لسيطرة سوريا المستقلة.

وتمضي الوثائق اليهودية التي تبدأ من حفريات وآثار بالغة القدم قبل الميلاد تتبع مراحل التاريخ اليهودي وأحداثه لتؤكد العلاقات الوثيقة بأرض الميعاد في الأرض التاريخية حتى يوم الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان، فترى بكل صلافة ـ أن حقوق إسرائيل في الملكية اليهودية لأراضي الجولان ذات حجية تاريخية، وأن هذه الحقوق تم وضعها بشكلها القانوني والشرعي (في جمعية الاستعمار اليهودي لفلسطين)

وقد بادرت سوريا إلى مصادرة هذه الأراضي ثم تأميمها برغم ادعاء إسرائيل أن هذه أراض مقدسة أو أراض وقف ورفض السكان فيما سمي بأرض إسرائيل تأميم هذه الأراضي في منطقة حوران، وحاولت الجماعات اليهودية الدفاع عن ملكية اليهود لتلك الأراض عبثا أمام المحاكم السورية .

قرار تقسيم فلسطين عام 1947

في عام 1947 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، طرأ تحول أو حدث مفصلي هو مناقشة المجتمع الدولي للمسألة الفلسطينية ونذر الحرب على أرضها بين الفلسطينيين واليهود، وفى قرار تاريخي عرف باسم قرار تقسيم فلسطين رقم (181) بين دولة عربية ودولة يهودية أي دولة فلسطينية) عشية إنشاء دولة إسرائيل في مايو 1948 لم يتغير رأى “بن جوريون” بشأن السيطرة على الأراضي التي تدعي إسرائيل ملكيتها التاريخية ومنها الجولان والتي كانت قد انتزعت (هكذا قال) من أرض إسرائيل، ذلك أن إسرائيل عملت طوال تاريخها الممتد من قبل التأسيس عام 1948 مرورا بالحروب العربية الإسرائيلية خاصة حرب يونيو 1967 بتخطيط ودأب وإصرار حتى آخر حكوماتها اليوم برئاسة بنجامين ناتنياهو والإدارة الأمريكية برئاسة ترامب لاعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل تحقيقا لما كان قد تنبأ به بن جوريون (لحزب العمل ـ الماباي) لأرض إسرائيل في إحدى خطبه في مدينة تل أبيب في أغسطس 1947 بل وأكثر إثارة وأشد غرابة أن يكون أبو الحركة الصهيونية “تيودور هرتزل” قد تنبأ بذلك في نص كلماته التي يجب على كل باحث وقارئ عربي اليوم أن يتذكر كل حرف من حروفها والتي تقول نصا :

“إن خطوط السكك الحديدية لإسرائيل الناهضة سوف تمتد من لبنان إلى البحر الميت، ومن الشريط الساحلي للبحر المتوسط إلى الجولان وإلى حوران وكأنه نهر متدفق من البشر “1902”

لكن السيطرة على الجولان ظلت حلبة للصراع منذ أكثر من مائة عام بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى مما أتاح الفرصة لكل من بريطانيا وفرنسا للاتفاق بين البريطاني “سايكس” والفرنسي “بيكو” 1916 لتقسيم الأراضي التي كانت تخضع للأراضي العثمانية من قبل لتدخل ضمن أراضي إسرائيل بما فيها الأراضي شمال الأردن، (المملكة الأردنية اليوم) والعراق تحت السيطرة البريطانية والمنطقة التي يطلق عليها سوريا اليوم تحت الانتداب الفرنسي.

الجولان وتحليل القرارات الدولية في سياق الجدل القانوني والسياسي الإسرائيلي

المعروف تاريخيا أنه في مؤتمر يعرف باسم مؤتمر سان ريمو 1920 أقر المؤتمر “إعلان بلفور” أن أرض إسرائيل في نهاية الانتداب البريطاني ستكون لإنشاء وطن قومي يهودي وكما هو واضح لم يكن لإرادة الشعب السوري أو الشعب الفلسطيني أي يد أو دخل أو تأثير في صدور تلك القرارات وكانت أراضي الدولة العثمانية المهزومة بمثابة غنائم حرب وزعت على المنتصرين، ويرى المنطق الإسرائيلي اليوم بعد حربين عالميتين الأولى والثانية وبعد استقلال سوريا أن الحدود والجغرافيا الحالية لا تعكس الواقع على الأرض ذلك أن سياسة فرنسا ذاتها كانت قد قسمت سوريا إلى ستة أقسام خاضعة للسيطرة، وتم تقطيع إطار الاتصال المصطنع فيما بينها وهو ما يوصف اليوم بالأقليات (لبنان ـ دمشق ـ حلب ـ الدولة العلوية (طائفة العلويين) سنجق الإسكندرونة (الأكراد) ثم جبل الدروز.

يمكن القول إن نقطة البداية والانطلاق الأولى في تحديد موقع الجولان في السياسة الإسرائيلية هو أن تحديد حدودها ينبع من حدود أرض إسرائيل التوراتية هذه الحدود التوراتية تمتد من مدينة دان (توصف في بعض المذاهب الدينية بالنبي دانيال ابن النبي يعقوب) ذات الأهمية التاريخية للوطن القومي لليهود في منطقة الجولان، ومن ثم تحولت منطقة الجولان إلى نقطة مرجعية أو لنقل تحولت إلى رمز تاريخي وسياسي فضلاً عن أحد الرموز الدينية الهامة .

الجولان وحرب يونيو 1967

السياسة الإسرائيلية تجاه المحيط العربي المحيط بها تحاول دون ملل تقسيم المقسم وتفتيت المفتت إلى شظايا حتى طائفة الدروز العريقة قسمتها من منظورها إلى أربع مجموعات شمال الجولان فيما يطلق عليه اسم مسعدة أو الماسادة، ثم مجدل شمس ثم بوقاطة ثم عين قونية وقد سيطرت إسرائيل على تلك الأجزاء كلها تماما بعد عام 1967 وبالطبع دون إشارة بحرف واحد لقرار حظر الاستيلاء على الأرض بالقوة (قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967) وادعت تطبيق القانون الإسرائيلي على الدروز لمنحهم حقوقا متساوية وبطاقات هوية إسرائيلية في محاولة مكشوفة وفاشلة لاستيعاب وتذويب صارخة لا علاقة لها ولا تعترف باتفاقيات جنيف الرابعة للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، ثم وهو الأهم رفض ومقاومة السكان الدروز في هذه المنطقة السورية المحتلة وتأكيدهم الصريح لانتمائهم للمواطنة السورية كما أكد كثير من تقارير الرصد لمنظمات حقوق الإنسان وبرغم ذلك تفاخر إسرائيل بأنها استثمرت كثيرا في تطوير البنية التحتية في الجولان وإنشاء المؤسسات التعليمية والمصانع، والتوربينات الضخمة ذات الضجيج العالي.

يوصف ذلك كله بذرائع ومبررات للتمهيد للضم الكامل بعد بضعة عقود 2019 بدعم أمريكي مباشر لسيادتها على المنطقة بما يخالف كافة قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، بل وتجاهل قرار مجلس الأمن الصريح لعام 1981 رقم 497 برفض بإعلان إسرائيل قرار ضم الجولان واعتباره باطلاً ولاغيا، بل وصلت حملات التضليل الإعلامي الممنهج إلى الادعاء على غير أساس من الحقيقة بأن المواطنين السوريين بالجولان كانوا يخشون من انسحاب إسرائيل لا من بقائها تحسبا من انتقام السلطات السورية الحاكمة والانتقام من ذويهم داخل سوريا.

الجولان والحرب الأهلية في سوريا (2011 ـ 2019)

السنوات الأخيرة الزاخرة بالفوضى والقلاقل والصراع المسلح والعنف الطائفي والمذهبي والصراعات الإقليمية والدولية على الأرض السورية قد خلقت تيارا جديدا تدعي حملات التضليل ظاهرة الصعود الواضح في اتجاه زيادة عدد السكان الدروز للحصول على المواطنة الإسرائيلية، ولعل أخطر ما في هذه المزاعم التضليلية أنه يشعل حريقا عنصريا داخل الطائفة الواحدة وبين الطائفة الدرزية والطوائف الأخرى، وقد يكون أشد خطورة خلق أرضية التحالف بين بعض شرائح تلك الطوائف التي تدعي إسرائيل بقبولهم التعايش والسلام مع الاحتلال (الضم والسيادة!) الإسرائيلي (وهو ما كان يسميه بن جوريون تحالف الأقليات في الشرق الأوسط)

تأثير فرض السيادة الإسرائيلية على الجولان على الكيان القومي لسوريا

انطلاقا من هذا الخطر الدعائي المبرمج مستوحيا مبادئ الصهيونية وأسسها وقائما على إحصائيات وبيانات وأرقام سكانية ـ ليس للأسف ما يوجد في مقابلها مصادر عربية موثقة ومنشورة حتى الآن، ما يوحي بانطباع أو يرسم صورة لا تبشر بخير بالنسبة للمستقبل السوري ككل ليس على المستوى الداخلي بل على المستوى دون الإقليمي والإقليمي معا بعد فرض السيادة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وذلك من خلال وصول الاستراتيجية الإسرائيلية إلى مرحلة طرح مشروع يكاد بشبه كامل (نلمسه في الوثائق الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء) وهي استراتيجية مخططة لتفتيت سوريا أو شرذمة سوريا بوصف إسرائيل لهذا النموذج أو المشروع بأنه يكفل لها في المقام الأول مصلحة أمنية بامتياز واستراتيجية تحافظ على كيانها اليهودي، وتقديري أن تحليل كل عناصر هذه الاستراتيجية يكشف عن أنها هي الباطل بعينه بل هي باطل الأباطيل التاريخية والقانونية لأنها مؤسسة على ادعاء واهٍ متهافت هو أن سوريا الحالية ليست إلا انعكاسا لخليط عرقي ومذهبي، وربما استطاع أي محلل أو قارئ عام أن يتصور خرائط الدول القومية مثل سوريا التي نعرفها عبر عصور التاريخ ماذا يحدث لو قسمت على أساس عرقي أو مذهبي بين مختلف فصائلها وعناصرها المكونة لها، ماذا سوف يكون مصيرها؟

وبطرح المزيد من الحجج شبه الأكاديمية أو التي تدعي أنها أكاديمية موثقة تستخلص إسرائيل أخطر نتائج الحرب الأهلية في سوريا اليوم بأنها هي اللحظة التاريخية لإعادة سوريا إلى حالتها الطبيعية كما كانت عليها قبل الحرب العالمية الأولى وأنه على القوى الدولية (الولايات المتحدة وروسيا التدخل لتحقيق هذه المعادلة والتصحيح التاريخي) ذلك أن سوريا الحديثة منذ الاستقلال عام 1946 لم تكن إلا مجرد خليط من الشعوب يمارسون الحياة في فضاء مؤسس على توازن هش مصطنع مكنه من الاستمرار فترة طويلة لكنه انفجر بعد ذلك (الحرب الأهلية)

محاولة لتفسير المنهج الإسرائيلي في الجدل

ويظل السؤال الملح الذي يطرحه المجتمع الدولي من ذا الذي أعطى إسرائيل أو غيرها الحق الحصري في حرية تقرير مصير سوريا أو مستقبل شعبها لتكون متوافقة ومتناغمة مع تركيبتها العرقية والمذهبية؟

فإذا تناقضت معها لابد من تعديلها ، وأن تكون في مصلحة الأمن الإسرائيلي أولاً وكما سبق القول ترى أن الوثائق الإسرائيلية نموذج الدولة الموحدة في سوريا كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية سوف يؤدي إلى إراقة الدماء بين الطوائف المختلفة بل وتستشهد في هذا السياق برسالة مكتوبة ومنسوبة لجد الرئيس الحالي بشار الأسد وهو جده زعيم طائفة العلويين سليمان الأسد وهي رسالة ربما لا ترقى لمستوى اليقين ولكنها فيما يبدو منقولة عن مصادر إسرائيلية فرنسية يعلم فيها رئيس الوزراء الفرنسي ليون بلوم وكان يهوديا أيضا ومؤيدا للمشروع اليهودي في يونيو 1936 يحذره فيها من الآثار الخطيرة من انتهاء نظام الانتداب الفرنسي بل ويعقد مقارنة بين مأساة الأقليات ومأساة اليهود وما لاقوه من اضطهاد في سوريا.

وفى هذا السياق يتعمد الجدل الإسرائيلي الملتوي، الزج بالجانب العربي في مناظرات تاريخية، وقانونية وأرشيفية عقيمة تبتعد عن جريمة الضم وجريمة فرض السيطرة، وفرض السيادة والاحتلال ذاته كجرائم حرب تنتهك قرارات مجلس الأمن، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وإدخال الجانب العربي في دوائر جهنمية مفرغة تضيع فيها الحقائق والحقوق إلى ما شاء الله.

وتصل الوثائق شبه الأكاديمية أو ما تسمى بالوثائق الأكاديمية الإسرائيلية للذروة لرفع درجة التعاطف الفرنسي اليهودي الصهيوني لمشروع تفتيت سوريا بالقول أن سليمان الأسد جد الرئيس الحالي بشار الأسد صدقا أو كذبا كتب يقول بأن مستقبلاً أسود ينتظر اليهود لو انتهى الانتداب الفرنسي واتحدت سوريا المسلمة وفلسطين المسلمة ضد اتحاد المنبوذين (فصائل سوريا المنقسمة)

مضمون ودلالات الطرح الإسرائيلي تجاه الجولان السورية المحتلة

تختزل إسرائيل رؤيتها التاريخية والتوراتية الصهيونية للمستقبل السوري بعد تقسيم سوريا إلى ما تسميه كيانات قديمة جديدة مستقلة تعكس واقعا إثنيا أو حقائق عرقية ودينية على الساحة السورية بحيث تكفل خلق توازن جديد للقوى يؤدي إلى تغيير جذري في الميزان الجيوستراتيجي الكلي وهو هدف إسرائيل الحقيقي على حدودها الشمالية ثم تحاول إسرائيل إضفاء شكل من أشكال نظم الحكم الحديث على مشروعها الأخطر في المستقبل المنظور لسوريا أي وهو نظام اللامركزية وتكرر أن هذا سوف يكون في مصلحة الاستقرار السوري كما لو كانت إسرائيل هي الراعي والوصي على سوريا) وفى نفس الوقت المصالح الأمنية لإسرائيل ذلك أن من شأنه تفتيت الجبهة السورية الموحدة ضد إسرائيل بشكل مدروس بعناية على حدودها الشمالية يخدم مصالحها على المدى الأبعد وعلى المستوى الإقليمي كله كما أنه يبعد الخطر الإيراني .

والمثير للاندهاش فعلاً أنه لا يفوت الجدل الإسرائيلي أن يلتفت أو يستعين ولو قليلاً بالقانون الدولي فيقول بكل صلافة أن القانون الدولي من المرجح أن يولي اعتبارا خاصا وهاما للفترة الزمنية للسيطرة الإسرائيلية على المنطقة السورية المحتلة حيث يستعرض حالة السيطرة على الجولان بقوة حق التقادم فيقول ـ كما لو كانت أرض الجولان السورية أرضا لا صاحب ولا مالك لها بدليل أن سيطرة سوريا على الجولان حديثا، لم تتجاوز واحدا وعشرين عاما، أما سيطرة إسرائيل على الجولان فقد امتدت لنصف قرن من الزمان دون أن تكون لسوريا إلا المعارضة لمرة واحدة ولأيام بل وساعات محدودة خلال حرب عيد الغفران (حرب أكتوبر 1973) ذلك أن امتلاك السيادة بموجب حق التقادم تحكمه قاعدة معينة يعترف بها في القانون الدولي وأنه يمكن أن يكون بمثابة الحجة أو الدليل القوي، وهو ما ينطبق على المطالب الإسرائيلية، خاصة وأن سوريا لم تسع لاكتساب حق ملكية الجولان بقوة التقادم لابتعادها عن أي جهود لاستئناف المفاوضات، ورفض سوريا كل نموذج للانسحاب الإسرائيلي جزئيا أو كليا طبقا لحق اكتساب الملكية بالتقادم واستمرار الادعاء بكافة الحقوق في الجولان.

كما أن تطبيق القانون الإسرائيلي لمدة زمنية (50عاما) على كافة السكان يخلق واقعا أو أمرا واقعا لا ينطبق عليه حق المشروعية فقط بل ولا ينطبق عليه الواقع الاجتماعي والثقافي وهو ما يخلق اتفاقا غير مكتوبـ في الجدل الإسرائيلي بين المواطن والدولة لأن ترفض أي سيناريو يغير من الوضع القائم على الأرض تغييرا جذريا.

استخلاصات

في ضوء هذا الطرح أو الجدل الإسرائيلي متعدد الجوانب التاريخية والسياسية والقانونية بعض الدلالات بالنسبة للوضع الجيو سياسي في العالم العربي وفى سوريا ذلك أن الموقف الراهن في المشرق العربي والشرق الأوسط كله يتطلب في الرؤية الإسرائيلية النظر إلى الأمام لا إلى الخلف بمعنى أنه ليس المقصود البحث عن مستقبل مختلف لسوريا فقط بل مستقبل مختلف للمشرق العربي كله بعد وبسبب أحداث الربيع العربي ثم بسبب أحداث الحرب الأهلية في سوريا التي خلقت واقعا إقليميا ودوليا جديدا.

هذا الواقع الإقليمي الجديد مرده إلى (أن النظام الإقليمي الراهن الموروث منذ مائة عام، منذ اتفاق سايكس ـ بيكو قد انهار وعفا عليه الزمن ويكفى دليلاً على ذلك ما حدث في العراق وسوريا وليبيا وأن الحدود المعترف بها بين الدول من قبل قد طمست واختفت وتقوم مقامها اليوم مناطق تقوم على أساس الهوية العرقية والدينية وهو ولابد أن يفرض إعادة تشكيل فضاء الحياة الديموغرافية والسياسية والاجتماعية في المنطقة، ويكفى في هذا حجة ودليلاً الاستشهاد بأحد تقارير مجلس العموم البريطاني عن الاتجاهات القادمة في الشرق الأوسط في سنوات وعقود المستقبل بالقول إن مفهوم “الدولة” يفقد دلالته في منطقة الشرق الأوسط ويبدو أن التغيرات العميقة أو ما يسمى في علم الجيولوجيا بالحركات التكتونية أو الهزات الزلزالية قد انفجرت في أعماق الأرض وبدأت تحدد مسارا بشريا واجتماعيا مختلفا في المشهد الجيو سياسي، ولذلك فقدت الحدود بعد الحرب العالمية الأولى كل معنى لها أما الدولة القومية فقد ولى عهدها وانتهى زمانها).

وبالنسبة لأحداث الربيع العربي والأحداث في سوريا، فضلت إسرائيل خيار عدم التورط أو عدم الانخراط فيها وتجنب آثارها السلبية لكن بعض الآراء تميل إلى أن هذه

السياسة السلبية الاختيارية ساعدت كلاً من القوتين الإقليميتين إيران وتركيا على التحرك بفاعلية دفاعا عن مصالحهما في الساحة السورية.

فالنسبة لإيران، أتاحت لها سياسة إسرائيل التحرك جنوب سوريا وفى الجولان، والقنيطرة، أما بالنسبة لتركيا التحرك شمال وشرق، والجزء الغربي الشمالي من سوريا (ضد الأكراد) في عفرين وإدلب ومانبيج ـ بيد أنه في عام 2018 أتاحت تلك السياسة السلبية لإسرائيل لإيران تنفيذ خططها لتوسيع الوجود في الجنوب، وبناء جسر شيعي إيراني على حدودها في مرتفعات الجولان ثم التعلل بعد ذلك بالوجود الإيراني والسيطرة على الجولان بالكامل وفرض السيادة عليها، ومع خطورة أي انخراط إسرائيلي في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا واحتمالات المواجهة المباشرة مع ايران وفصائل الميلشيات على الحدود الإسرائيلية شمال إسرائيل جنوب سوريا أصبحت اليوم بحاجة إلى إعادة النظر الجاد أو بشكل جدي لمستقبل التوازن الجيوسياسي الجديد في المنطقة.

ربما كان التفكير ثم الإعلان ـ الذي بدا مفاجئا لم يكن كذلك ـ لفرض السيادة الإسرائيلية على الجولان السورية المحتلة وبدعم أميركي علني رسمت له وخططت في برامج عمل ومؤتمرات صهيونية متتالية عند نهاية القرن التاسع عشر، حتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وشاركت فيه الحركة الصهيونية والمنظمات اليهودية، والوكالة اليهودية وزعماء الحركة الصهيونية من تيودور هرتزل إلى حاييم وايزمان، إلى البارون دي روتشيلد إلى بن جوريون ثم اللوبي الصهيوني الطاغي في دوائر صنع القرار الأمريكي، وصولاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الليكودي الحالي ثم صك عقد الملكية الباطل بقرار الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في مارس 2019 ولم يزل الجولان العربي السوري المحتل حلبة للصراع بين سوريا وإسرائيل أو بين العرب والحركة الصهيونية العالمية.

اظهر المزيد

د. رضا شحاته

مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى